بسم الله الرحمن الرحيم

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة، يرجى التكرم بتسجيل الدخول إن كنت عضوا(ة) معنا.
أو التسجيل إن لم تكن عضوا(ة) و ترغب في الانضمام إلى أسرة المنتدى.
سنتشرف بتسجيلك
شكرا
إدارة المنتدى.
بسم الله الرحمن الرحيم

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة، يرجى التكرم بتسجيل الدخول إن كنت عضوا(ة) معنا.
أو التسجيل إن لم تكن عضوا(ة) و ترغب في الانضمام إلى أسرة المنتدى.
سنتشرف بتسجيلك
شكرا
إدارة المنتدى.
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



Free CursorsMyspace Lay
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 طلب مساعدة

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
سارة
مشرفة
مشرفة



عدد المساهمات : 163
تاريخ التسجيل : 25/12/2010

طلب مساعدة Empty
مُساهمةموضوع: طلب مساعدة   طلب مساعدة I_icon_minitime21/1/2011, 15:21

السلام عليكم من فضلكم اريد ان اعرف طريقة انشاء منتديات فرعية لمنتداي وتقنيات اخرى لتحسينه ان كان ممكنا ,
عنوان المنتدى:
sara1961.forummaroc.net
وشكرا مسبقا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Admin
المدير العام
المدير العام



عدد المساهمات : 13176
تاريخ التسجيل : 09/12/2010

طلب مساعدة Empty
مُساهمةموضوع: رد: طلب مساعدة   طلب مساعدة I_icon_minitime22/1/2011, 11:35



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

1- الدخول إلى لوحة الإدارة ثم إدارة عامة
2-الفئات و المنتديات.
3- تتوجهين إلى المنتدى الذي تريدين أن تجعلي له منتدى فرعي، و على نفس السطر تجدين علامة زائد + بالأخضر، انقري عليها ستفتح لك صفحة ، عندها قومي بالتالي:
اسم المنتدى : تختارين أسما لمنتداك
مربوط إلى : أى تختارين اسم المنتدىالذى سيظهر أسفله هذا المنتدى
ضع هذا المنتدى بعد : بمعنى ترتيبه بين المنتديات التى تظهر بين هذة الفئة قبل أو بعد.

نسخ صلاحيات منتدى أخر على هذا المنتدى :
تختارين من هنا منتدى أنشأته من قبل و حددت صلاحياته من قبل و ستظهر نفس
الصلاحيات على هذا المنتدى أيضا و هو اختصار لخطوة الصلاحيات التى تظهر
لاحقا أو تختارين الصلاحيات الأصلية و أنت تحددينها بنفسك من لوحة الصلاحيات

حالة المنتدى : مفتوح أو مقفل
فرز المواضيع إعتمادا على : و هى تحديد حالة ظهور المواضيع
تختارين ما تريدين منها
فرز مساهمات الموضوع اعتماداً على : و هى لتحديد ظهور المساهمات
أختار ما تريد
رابط الصورة : و نضيف به صورة تظهر بجانب هذا المنتدى كأيقونة له



ملاحظة: أتمنى لك التوفيق و النجاح في المهمة التي تقومين بها، و سترين أن الأمر يحتاج إلى كثير من الجهد و الوقت.
كنت عضوا نشيطا معنا، و صراحة كنت أتنمنى أن تظلي معنا تفيدين و تستفيدين، و يدا بيد نغني منتدى واحد.
إذا كان الأمر يتعلق بالصلاحيات ، أفوض لك أمر الإدارة العامة و الإشراف الذي تختارينه.
يمكن أن تنشئي بالمنتدى ما يحلو لك.
قصدي ان التعاون يعطي نتائج أفضل، و لك واسع النظر.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ecolay.yoo7.com
سارة
مشرفة
مشرفة



عدد المساهمات : 163
تاريخ التسجيل : 25/12/2010

طلب مساعدة Empty
مُساهمةموضوع: رد: طلب مساعدة   طلب مساعدة I_icon_minitime23/1/2011, 04:58

شكرا على المساعدة اذا انشات منتدى فهذا فقط للاستفادة وهدا لايعني انني ساترك منتداكم بل بالعكس ساظل دائما عضوة نشيطة,لافيد واستفيد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
youmna
عضو جديد



عدد المساهمات : 6
تاريخ التسجيل : 18/11/2011

طلب مساعدة Empty
مُساهمةموضوع: رد: طلب مساعدة   طلب مساعدة I_icon_minitime14/1/2012, 09:25

السلام عليكم
ارجو من حضرتكم مدي بمساعدة بخصوص تصور الاصلاح السياسي عند ابن ابي الضياف من خلال كتابه الاتحاف الجزء الاول و الرابع انا انتظر اجابتكم
مع الشكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Admin
المدير العام
المدير العام



عدد المساهمات : 13176
تاريخ التسجيل : 09/12/2010

طلب مساعدة Empty
مُساهمةموضوع: رد: طلب مساعدة   طلب مساعدة I_icon_minitime14/1/2012, 11:59


ابن أبي الضياف والدستور: السيرة والرهان


بقلم: لطفي عيسى، أستاذ – جامعة تونس

أي علاقة واقعية تربط التونسيين حاضرا بسيرة مؤلف مدونة الإتحاف
ومهندس بنود أول دساتيرها ؟ لسنا على يقين بأن شخصية على هذا القدر من
الأهمية قد ساغ لسيرتها أن تتحوّل بعد إلى متقاسم جمعي. فالغالب على ذائقة
المطلعين أو المتعلمين ممن أمّوا المدارس التعرّض لشخصيته من بوابة
الاعتبار بانفراط حكم البايات بعد فشل حركة الإصلاح السياسي تمهيدا لوقوع
البلاد تحت الاستعمار.

هذا ما أتاحته المناهج المدرسية ولا تزال للكافة ممن توثقت صلاتهم
بمقاعد المدارس من المتعلمين، أما من سواهم فليس لمثل هذا الشأن من صلة
بمخزونهم الفكري أو ذاكراتهم المعيشة ولا ذائقتهم الفنية في انعدام التصدي
لصياغة تلك السيرة من زاوية الإبداع الروائي أو الدرامي مكتوبا كان أو
مسموعا أو مرئيا.


فالشيخ أحمد ابن أبي الضياف (1804 – 1874) علم من أبرز أعلام تونس القرن
التاسع عشر، تعود أصول عائلته إلى مجال الدواخل عند “رُبْعِ سليانة” موضع
نجعة قبيلة أولاد عون. اختار جده الاستقرار بمدينة تونس مصاهرا بيوتات
علمها، وارتبط مصير والده “الحاج بالضياف” بخدمة المخزن الحسيني بعد أن
قرّبته علاقة الصحبة التي ربطته بمملوك حمودة باشا (1782 – 1814) ووزيره
الذائع الصيت يوسف صاحب الطابع. تلقى ابن أبي الضياف وفقا لما أورده
مترجموه أفضل ما أتاحه التكوين على أيامه، مطلّعا على ما لم يكن معاصروه
يرون فائدة في تقليبه من الآثار، متأثرا بما خلّفه ابن خلدون الذي اخترقت
آراؤه مصنفه التاريخي من أدناه إلى أدناه.


فالبيّن أن تراجع العصبية القبلية التي عوّضها الولاء بعد الضربات
الموجعة التي كالتها لها دولة المخزن (وهي عنوان السلطة منذ حكم الموحدين
مغربا) هو الذي كان وراء التجاء الملك إلى “الجاه” ويتمثل تعريفه من منظور
البيان الخلدوني دائما في: “القدرة الحاملة للبشر على التصرّف في من تحت
أيديهم من أبناء جنسهم بالإذن والمنع والتسلّط بالقهر والغلبة”، مما يكسب
صاحب الملك إحساسا بالجلال، ويزيد في اعتقاد الكافة من رعاياه أن كل مقرّب
من جلال الملك حاصل بالضرورة على منتهى الكرامة والمجد. فـــ”فاقد الجاه
وإن كان له مال…يسير إلى الفقر والخصاصة ولا تسرع إليه الثروة وإنما يرمق
العيش ترميقا”.


هذا التمثّل الـمَرَضِي لتغوّل الملك المسنود بالجاه هو ما يفسر في
تقديرنا تحوّل مجال السلطة السياسية إلى بؤرة ضوء مُشعّة شكل القرب منها
على الدوام وعدا صريحا بموفور العزة وواسع الثراء في ثقافة المسلمين سواء
ضمن التجارب المتعاقبة للسلالات التقليدية الحاكمة أو حتى في العديد من
تجارب الدول الوطنية الحادثة بعد تصفية الاستعمار.


ومن هنا نفهم لماذا لم يُهمل ابن أبي الضياف السبل التي فتحت له بعد
إدراجه في سلك العدالة زمن حكم الباي محمود (1814 – 1824) متقرّبا من حذّاق
كتاب الدواوين ملحّا في طرق باب المخزن إلى أن أستنجبه الباي حسين (1824 –
1835) لخطّة كتابة السر بديوان وزيره المتنفد شاكير صاحب الطابع (1829 –
1835) وسنه لم تجاوز الثالثة والعشرين سنة.


امتد حبل إلحاق مؤلف الإتحاف بموضع سر البايات على أربعة عقود تمرّس
خلالها كاتبنا بأمور المخزن وخبر أسراره وخفاياه. كما آثاره الباي المصلح
أحمد (1837 – 1855) عمن سواه بمفاوضة الباب العالي والرفقة في الرحلة
الباريسية والاستشارة العائلية في عقد أول قران لثيب حسينية من وجيه تونسي،
معتبرا إياه “لسانه الذي يتكلم به خارج الحاضرة”. وحتى وإن تراجعت مكانته
لدى كل من امحمد باي (1855 _ 1859) وأخيه الصادق (1859 – 1882) آخر أمراء
السلالة الحسينية لمرحلة ما قبل الحماية، فإن ثبوت حاجتهما إلى “ترتيب
قوانين” تناظر خط الأتراك الشريف أو تنظيماتهم الخيرية المعلنة منذ سنة
1839، هو ما ألجأهما إلى تكليفه بمهمة الإشراف على تحرير مسودتي لوائح عهد
الأمان الصادرة في أوائل شهر سبتمبر من سنة 1857 وبنود دستور أواخر شهر
جانفي من سنة 1861.


كان واضع كتاب تاريخ العبر على يقين من أن مجال التجديد في العالم قد
فارق حضارة العرب بعد دخولها مرحلة الانكفاء والتراجع والانحدار منذ القرن
الرابع عشر، لذلك عمد إلى تشخيص الخلل وتحديد الأسباب التي أدت إلى انقلاب
الأوضاع من خلال حوصلة أحداث الماضي واستنتاج ما حوته من عِبَرٍ شكلت
الأنساب وأنواع المعاش وكيفية التداول على الملك واحتكار الوازع والجاه،
العناصر الناظمة لها. فقد تم تشغيل الملك كمحور للحراك السياسي يحدد تداول
الأمم للوازع، ذاك الذي ارتهن بالحفاظ على قوة العصبية واحتكار الجاه
والنجاح تبعا في الاضطلاع بدور الوساطة بين نظامي العمران البدوي والحضري.


حمل الإتحاف صدى غير حاف لمختلف هذه التوجهات، ذلك أن ما سماه مؤلفه
بـــــ “رياح الوطن” قاصد به “الوطن التونسي” و”القطر التونسي” و”أرض تونس”
وهي تسميات تكررت في الإتحاف# هو ما دعاه بعد أن استوفى صياغة لوائح وبنود
الدستور إلى التصدي لمشروع مدونته التاريخية التي امتدت عملية تحريرها على
عشر سنوات بالتمام والكمال (1862 – 1872). بسط المحرّر عبر كتاب عمره
آرائه في السياسة والمجتمع، مصحّحا القول في ما حرّفته الأقلام المأجورة
بخصوص مسار تقييد الملك بقانون ضمن تجربة أمراء السلالة الحسينيين بتونس.
فمن مزايا علم التاريخ وفقا لما انتهت إليه عارضته التفريق بين من أهلتهم
أعمالهم الجليلة لبقاء الذكر ومن لا يصحّ في حقهم سوى الإهمال والنسيان.


شدّد ابن أبي الضياف على ضرورة مراعاة ما أسماه بــــ”حال الوقت” في
مسار التدرّج في تطبيق “نظام الملك المقيّد بقانون” ناقلا عن ابن خلدون
حججه في التمييز بين الخلافة والملك، مجيزا “الإنكار” وهو في راهن مدلوله
حق إبداء الرأي في جميع المسائل المتصلة بالشأن العام عبر المشاركة في
عضوية المؤسسات التمثيلية، معتبرا إهمال المسلمين لذلك سببا من أسباب
ترديهم، رابطا بين ما نعته بـــ”الملك المطلق” المخالف للشرع والحكم القهري
كما وصّفه البيان الخلدوني، ذلك الذي تتسع معه رقعة البداوة وتزول به
فضائل المواطنة من نفوس الرعايا.


ولئن لم يشر مدلول الوطن بالقياس لمدلول الأمة في آداب المسلمين إلا
لمكان الولادة ولم يتم تعقّل مصطلح “ثورة” كذلك إلا بمعنى الفتنة والفوضى
والتقاتل نظرا “للبلبلة العظيمة” التي أحدثتها الثورة الفرنسية من منظور
كثير من مصلحي البلاد العربية، فإن الحاجة إلى ذلك الإصلاح المستأنس بأحكام
الشرع هي ما أعطى للانتقال التدريجي غير العنيف مكانة أرقى في ذهنيات
النخب المتعلّمة المستبطنة لمدلول طاعة السلطان وخدمته بالمقارنة مع تهيبهم
من معاضدة جميع أشكال التغيير الجذري أو العنيف. وهي أفكار يسهل العثور
عليها لدي عدد من مؤرخي المشرق والمغرب ممن شكّلت تجربة الكتابة لديهم صدمة
حقيقية وانسلاخا عن الاكتفاء بمتاح الفكر التقليدي تشوّفا إلى إعادة
امتلاك مقوّمات تفكير النهضة الأوروبية على غرار عجائب عبد الرحمان الجبرتي
(1753 – 1825) واستقصاء أحمد بن خالد الناصري (1835 – 1897) على سبيل
المثال لا الحصر.


والبيّن أن التصوّرات التي تضمنتها “مقدمة” الإتحاف الطويلة لم تشذّ عن
هذه التوجهات، فقد التزم ابن أبي الضياف سواء من خلال تعريفه أو مناقشته
لما أسماه بـــ “أصناف الملك في الوجود” بمبدأ توافق ما ندبه من الإصلاحات
السياسية مع مبادئ الشريعة الإسلامية، متهيّبا من مغبة التعبير عن أي تصادم
مع مقاصدها. فقد قسم ابن أبي الضياف الوازع ومعناه القوة الرادعة أو
الغلبة إلى خلافة وملك، معتبرا أن “أصناف [هذا الأخير] في الوجود لا تتعدى
أنماطا ثلاثة وهي: “الملك المطلق والملك الجمهوري (وهو لبس مقصود تحاشى من
خلاله المؤلف التصريح بمعقولية وجود حكم جمهوري يكتفي بذاته عن اشتراط حضور
خليفة) والملك المقيد بقانون شرعي أو عقلي أو سياسي”.


ويعتبر مؤلف الإتحاف ضمن تعريفه بهذه الأصناف أن “طباع الاستبداد”
منافية “لإمكان التغيير” مما يستوجب شرعا وعقلا مجابهتها بــــ”الإنكار”
و”المنع” دون الحاجة إلى الدخول في الفوضى أو التعويل على العنف. كما يفرّق
ابن أبي الضياف في الجور بين “اليد المبسوطة التي لا تعارضها القدرة” في
ظلم السلطان للرّعية، وبين “استعمال الإخافة لأخذ الأموال من قبل أهل
الحرابة والعدوان”، لأن “المدافعة بيد الكل موجودة شرعا وسياسة”، في حين أن
لجوء الحاكم إلى “العدوان على الناس في أموالهم ذاهب [مثلما بيّن ذلك صاحب
تاريخ العبر] بآمالهم في تحصيلها…فإذا ذهبت…انقبضت أيديهم عن السعي في
ذلك…وقعد الناس عن المعاش وكسدت أسواق العمران…وهو القدر المؤذن بالخراب”.
مشددا في هذا الصدد على ما كان شاهد حق على حصوله من تلاعب بالنقد وإطلاق
يد العمال في الرعية عبر تشغيل آليات الارتشاء فيما مسكه من دفاتر الاتفاق (
ويقصد المبالغ التي يتم الاتفاق بشأنها سرا بين الباي وعماله نظير الحصول
على الخطط المخزنية أو المحافظة عليها)، لأن ذلك يجعل أهل الخيام أكثر
تهيبا من بناء المساكن وغرس الأشجار ومجاورة المياه والتخلّق تبعا لذلك
بطباع التوحش المنافي للعمران، علما أن شدة التعدّي والقهر في جباية المال
يفضيان إلى نقص في “الكماليات الإنسانية” لدى الرعايا فينسلخوا عندها من
طباع الأحرار وتنتفي عنهم الشجاعة والإباء والمروءة وحب الأوطان والغيرة
عليها.


لا مراء في أن صاحب الإتحاف مدرك تماما للتصوّر الخلدوني بخصوص الدورة
الطبيعية لحياة الدول، وفاهما لعلاقة قيامها بالغلبة والعصبية وآليات
انهيارها المشدودة إلى إضعاف تلك العصبية قصد الانفراد بالمجد وانقطاع كل
أمل في اكتساب الجاه خارج المحيط القريب من الملك، غير أن مثل هذه الدورة
المؤسِسَة لا تصح من وجهة نظره الخاصة في غير سلاطين الحكم المطلق من حكّام
المسلمين، لأن دول الفرس أو الدول المسيحية وفق تعبيره – تلك التي “وقف
ملوكها عند حدود العقل”- غالبا ما امتدت حياتها على مدى قرون متعاقبة. وهو
ما ينهض حجة على أن قراءة صاحب الإتحاف لمساوي الإطلاق في الحكم لم تكتف
بترديد قوانين العمران كما تفتقت عليها عارضة ابن خلدون، بل حاولت اختبار
مدى إجرائية تلك القوانين في ضوء طارئ مكتسبات عصور النهضة ومقتضيات
الإصلاح السياسي. الأمر الذي سمح له بتجاوز مدلول الشرعية المبني على
الغلبة المعتضدة بالدين، معتبرا وفي إلماع ذو دلالة بليغة أن التمادي في
الجور مؤذن بإلغاء الحاجة إلى الملك.


أما الدساتير أو القوانين فمعتَبَرة في رأي مؤلف الإتحاف بما يُقصد منها
من ترتيب الأمور على شاكلة ما عاينه مشاهدة لدى مصاحبته لأحمد باي في
زيارته الباريسية سنة 1846. وهو أمر شدّدت عليه شهادات غيره ممن أسعفهم
الحظ بمعاينه نفس الأوضاع وتدوينها على غرار الشيخ الطهطاوي والمصلح خير
الدين. ولعل أبلغ ما تم إيراده بهذا الصدد هو الدعوة إلى التدرّج في سن
القوانين تحقيقا لمقصد العدل، تأسيا بالخطط المتّبعة من قبل الدول القوية
عبر التمسّك بالاستقامة وتوسيع دائرة العيش بإقامة المعامل والزيادة في
الإنتاج وفتح باب المتاجرة بعد تأمين مسالكها البرية والبحرية والحديدية،
لأن هذا التدرّج هو ما سمح لممالك أوربا الناهضة بتحقيق ما “كانت تطلبه من
العمران…ولو طمحت أنظار حكامها إلى التحسين من أول الأمر ( وهي إشارة بليغة
لمعوّقات الإصلاح الفوقيّ التونسي) ما حصلوا هذه الدرجة وهذا معلوم
بالمشاهدة”. كما يسوق ابن أبي الضياف من بين شروط الجديدة لشرعية الفعل
السياسي وجوب تأسيس مجلس نيابي على شاكلة ما هو معمول به أوروبيا. ويتمثل
دور أعضائه المنتخبين بالاقتراع في “الوكالة على العامة حفظا لحقوقهم
الإنسانية بغير خروج عن الطاعة”، معتبرا أن صلاحيات أعضاء هذا المجلس
بمقتضي شرعية التوكيل الذي بين أيديهم مُساءلة سلطة التنفيذ التي يمثلها
الوزراء وبقية الفاعلين السياسيين، لأن الممالك “لا تكون على نهج الاستقامة
إلا إذا كانت الدولة طالبة ومطلوبة”، والدولة المقيدة بقانون “طالبة لما
لها من الحقوق الملكية ومطلوبة بما عليها من الحقوق القانونية”.


هكذا حافظت “ذاكرة التاريخ” على سيرة حياة مؤلف الإتحاف وأعلت من شأو
رهاناتها. فقد تمكّن هذا الرجل الفرد ومن خلال التصدي لوضع مؤلف تاريخي
فارق، وبالتعويل على العبرة الموفية بالغرض عبر صياغة روائية لا يعرف سرّها
سواه، أن ينحت في مخيال أجيال متعاقبة من التونسيين تشبث لافت بالدساتير،
وهي المعيار في تقييم مدى تمسك الأمم بالقوانين. لذلك فإن أبلغ ما يمكن أن
نغلق به سجل هذه الخواطر التي كيّفناها بكثير من الحرية قصد فهم سيرة واحد
ممن شكلوا ما سبق لنا وأن وسمناه بـ”تاريخ التونسيين”، هذه الواقعة التي
استجلبها صاحب الإتحاف للتعبير عن ثبات جنان زعيم المصلحين خير الدين. فقد
جاء في تلك المرويّة أنه وعلى إثر قراءة البند الأول من لوائح عهد الأمان
بحضرة الباي امحمد طفق أحد المتزلفين – وما أكثرهم – مخاطبا الباي:” أي شيء
بقي لسيدنا؟” وأمام وجوم الحاضرين أجاب خير الدين على السجية: “بقي
لــ[ـه] ما بقي للسلطان عبد الحميد، وما بقي لسلطان فرنسا وسلطنة بريطانيا
وغيرهم من سلاطين القانون”.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ecolay.yoo7.com
Admin
المدير العام
المدير العام



عدد المساهمات : 13176
تاريخ التسجيل : 09/12/2010

طلب مساعدة Empty
مُساهمةموضوع: رد: طلب مساعدة   طلب مساعدة I_icon_minitime14/1/2012, 12:04

الهمّ النسوي في الفكر الإصلاحي التونسي بقلم عائدة بنكربم - المسلّمي -

الهمّ "النسوي" في الفكر الإصلاحي التونسي (القرن التاسع عشر-وبداية القرن
الماضي)شهدت تونس ما بعد الثورة سجالا إيديولوجيا بارزا بين خطاب حداثي في
قطيعة مع أصوله الثقافية تختفي خلفه مجموعة من النخب والسياسيين ما جعله
مشروعا نخبويا بالأساس، وخطاب تقليدي وهو الأكثر شيوعا بين العامة لبساطته
وقربه من التكوين الذهني والنفسي لفئات عديدة من المجتمع، وأخيرا خطاب
إصلاحي، وهو الحلقة الجامعة بين الخطابين السابقين، ويُعرَّفُ على أنه
تطوير خطاب التقليد وتأصيل خطاب التحديث.ويندرج هذا البحث ضمن اهتمامنا
بموضوعة المرأة باعتباره مساهمة في تحليل مدى اهتمام الفكر الإصلاحي
التونسي بالمرأة ومساهمته الحقيقية في تحررها، ثمّ دور النخب الحداثية في
عملية "عصرنة" المرأة وحداثتها. وسيوصلنا ذلك إلى مستوى ثان يتطلب الإجابة
عن سؤال مفصلي، خاصة في هذه المرحلة التي أصبحت فيها موضوعة المرأة
وتحرّرها والمكتسبات التي حققتها في المجال التشريعي والقانوني والإجتماعي
مادة لنقاشات تستبطن خلفيات إيديولوجية وسياسية، ينطلق فيها الجميع من مجلة
الأحوال الشخصية باعتبارها لحظة "التكريس" كما يسميها فرج بن رمضان
لمكتسبات المرأة التونسية. السؤال هنا هل صحيح ما ذهب إليه العديد من
الباحثين والنخب من أن مجلة الأحوال الشخصية هي استجابة لمطالب رجال
الإصلاح وطموحاتهم في التحرير؟ أم انّ هناك حيثيات أخرى ودوافع سياسية آنية
جعلت من إستصدار هذه المجلة في تلك المرحلة عملية إستباقية لقطع الطريق
أمام الإمكانيات المحتملة لظهور حركات وقيادات تحررية خارج المنظومة
البورقيبية ذات التوجه الأحادي في القيادة والزعامة.هدفنا في هذا الجزء
الأول التعريف ببعض جوانب مسارات تحرر المرأة التونسية التي يمكن أن
نقسّمها إلى ثلاثة مراحل: مرحلة الإصلاح ورجالاته، ثم مرحلة الطاهر الحداد،
ومرحلة "الحداثة" و"العصرنة" التي تمتد من تاريخ الإعلان عن مجلة الأحوال
الشخصية إلى يومنا هذا.1-مرحلة رجال الإصلاح1-1 رسالة ابن أبي الضياف في
المرأة[1]اتفقت أغلب النخب التونسية على أنّ أحمد ابن أبي الضياف هو أحد
رموز الفكر الإصلاحي التونسي؛ وأنه وخير الدين باشا منظّرا الإصلاح السياسي
في تونس خاصة في ما يتعلق بنظام الحكم حيث انتقدا حكم الإطلاق واعتبراه
منافيا للشرع وللعقل، وأنه لا يقود إلا إلى الظلم. وقد اتفق الرجلان على أن
تقدّم الغرب يعود إلى طبيعة نظامه السياسي الذي يقوم على الحرية والقانون
والمؤسسات الدستورية. أما تأخر البلدان الإسلامية فسببه طبيعة نظمها
السياسية التي تقوم على الحكم المطلق مجلبة الفساد وسوء التصرف والظلم.
هكذا كان فكر رائدا الإصلاح وهكذا كان تفسيرهما لأسباب تخلف الأمة فما هو
نصيب المرأة المسلمة داخل هذه المنظومة الفكرية الإصلاحية التي تدعو للتحرر
والإقتداء بالنظام السياسي الغربي والقطع مع الإطلاق في الحكم الذي كان
سائدا في عهد ابن أبي الضياف وخير الدين باشا؟ترك ابن أبي الضياف رسالة
حررت في 2 جمادي 1272 الموافق ل 13 فيفري 1856 ميلادي أجاب فيها عن 23 سؤال
يتعلق بالمرأة المسلمة في المجتمعات العربية عموما والمجتمع التونسي خاصة.
و صورت هذه الرسالة قضية المساوات بين المرأة والرجل وتحرر المرأة
وتعليمها إلى جانب الوضع الإجتماعي والأسري المزري في المجتمع التونسي
آنذاك وتميزه بدونية المرأة وتعسف الرجل. وقع نشر الرسالة كاملة في حوليات
الجامعة التونسية عدد 5 سنة 1968 و قام بتحقيقها والتعليق عليها الأستاذ
المنصف الشنوفي. واختلف الباحثون في تحديد شخصية السائل، فبينما ذهب
الشنوفي إلى أن السائل هو "ليون روش" القنصل الفرنسي بتونس من سنة 1853 إلى
1863 الذي كانت علاقته بالشأن السياسي التونسي وتدخله فيه كبيرة، فقد رجّح
الأستاذ أحمد عبد السلام في مقال له بحوليات الجامعة التونسية (عدد 28 /
1968 ) أن يكون السائل خير الدين التونسي وكان آنذاك بباريس، معتمدا على نص
رسالة بعث بها ابن أبي الضياف لهذا الأخير فيها ذكر لها (كتاب "من رسائل
ابن أبي الضياف، تتمة لإتحاف أهل الزمان" تحقيق محمد صالح مزالي نشر الدار
التونسية للنشر عام 1969، الرسالة رقم 16)؛ وقد أراد خير الدين أن تكون
الأجوبة كافية وشافية موافقة للشرع وللعقل، و"مراعية للسياسة الواجب
اعتبارها"، ولذلك توجه بأسئلته لأحمد ابن أبي الضياف وليس لغيره لما
للرجلين من اتفاق في التفكير، ومقدرة هذا الأخير على التوفيق بين "النصوص
الشرعية" و"العلل العقلية ومقتضيات السياسة". و ذهب الأستاذ عبد الحق
الزموري في نفس اتجاه أحمد عبد السلام وزاد عليه بالقول: "ليقين خير الدين
في قدرة صديقه على تكييف الأجوبة بحسب المرجو منها (المنفعة الآنية
المباشرة)" (مراجعات في وعي النهضة تونس القرن 19 أنموذجا؛ الدارالمتوسطية
للنشر، 2009)ينطلق أحمد ابن أبي الضياف في رسالته قائلا" أمّا بعد فإنّ من
الواضح المحقق المعلوم، أن شرف النوع الإنساني بالعقل الذي هو آلة العلوم.
وفضل العارف لم يزل يشكر ولا يكاد ينكر. ومن المثابرين على تحصيل عيونه على
اختلاف أوضاعه وفنونه .الأمة الفرنساوية التي اتضحت في الأقطار آثارها.
وتخلدت في الصحف أخبارها. بما يدوم بها افتخارها. حتى أنّ الواحد منهم يدأب
على معرفة الشيء وسببه ولو لم ينتفع به. ويرى نفس المعرفة من أدبه. لأن
لذة الإنسان إنما هي العرفان. وما سواه من اللذائذ دفع ألم. كما سطر
وعلم....".ثم يقول منزلا الرسالة في إطارها "ومصداق ذلك أن بعض أعيانهم ممن
خالط المسلمين في البلدان والبوادي، أورد أسئلة لا غرض له إلاّ رفع النقاب
عن الكنه والأسباب ومعرفة الشيء من أهله خبر من جهله". وهنا إشارة إلى
موقع السائل وموقفه من المجتمعات العربية وأنّ الأسئلة المطروحة أبعد ما
يكون عن تقديم ابن أبي الضياف "معرفة الشيء من أهله" ولكن نبرة الإستعلاء
المتكررة في الأسئلة تخفي خلفها استهانة وأفكار مسبقة عن دونية حضارة الآخر
المسلم العربي أو الشرقي عامة. ويمكننا إدراك هذا من خلال نماذج الأسئلة
الواردة:إنّ غالب النسوة المسلمات لا اشتغال لهن إلا بصقل وجوههن وتزيينها
بالكحل والسواك...(السؤال الثامن).عند الإفرنج ان المرأة يرغب فيها
لأخلاقها الحميدة وعملها وفضائلها وعند المسلمين يقال إنها لا تحب إلا
لجمالها ولشرفها تارة؟ (السؤال الخامس عشر).ينقل عن المسلمين أنهم لا
يكرمون جنازة المرأة ولا يجهزونها من تجهيز الرجل؟( السؤال العشرون).إن
المرأة عند اففرنج تأخذ حظها من السرور والتوجع على الوطن......وعند
المسلمين لا تتأثر ولا تؤثّر في شيء من هاته الأمور (السؤال الثالث
والعشرون).ونورد هنا جواب ابن أبي الضياف على السؤال الثاني في الرسالة
والذي يتعلق بأسباب عدم تعلم المرأة العلوم مقارنة بالنسوة الإفرنجيات
يقول".....فإذا استقلت بالكتابة (المقصود هنا المرأة المسلمة) وغيرها من
ممارسة العلوم ضاع ذلك على الزوج واشتغل قلبها عن زوجها بممارسة العلم فقل
أن يجتمع حب العلم وحب غيره في قلب واحد.....فتعلّم المرأة والحالة هذه
للعلوم لا يفيدها إلاّ مذمة التشبه بالرجال المكروه عند المسلمين...."
.الغريب هنا أن أحمد ابن الضياف يستشهد لتبرير موقف المسلمين بمقولة
نابليون "...فيما عرف من أخبار رجل الدنيا وواجدها عقلا وعلما وشجاعة
نبليون الأوّل أنه قال : أكره أن تتشبه المرأة بالرجل والرجل
بالمرأة...ومثل هذا القائل الطائر الصيت في الأقاليم لا يكره مستحسنا"...
هذا هو المفكر المصلح الذي تولى الوزارة والكتابة في عهد محمد باي
(1855-1859) وكان شاهدا على سياسة فرنسا الاستعمارية التي احتلت الجزائر
وعقدت العزم على احتلال بقية بلدان المغرب العربي الإسلامي كما أن مديحه
لنابليون وانبهاره بشخصه "طائر الصيت في الأقاليم" المقصود هنا حملة
بونابرت على مصر .ويختتم أحمد ابن أبي الضياف رسالته قائلا: "هذا ما حضرني
من الجواب. والله الملهم للصواب. والمأمول من كمل الأوصاف (السائل). نظره
بعين الإنصاف. فالله يرى أني لم أرتكب فيه ما يقتضيه طبع الحمية. وأزعم أني
سلكت الطريقة المرضية (هنا مرضية لمن؟). وما كتبت إلاّ المشاهد في الوجود.
والإنصاف في الخليقة موجود......"تكشف الأجوبة التي قدمها ابن أبي الضياف
عن رجل محافظ و"متدين تقليدي"، اعتمد في أجوبته على الزاوية الدينية
التقليدية والإسلام المعياري فيقول "العقيدة الصحيحة هي إسناد سائر
الأمور....." لتبرير واقع المرأة القاتم والمزري. وفي أقصى الحالات كان
الوزير الإصلاحي يجيب بالإعتذار لأن هذه المظاهر (عدم تعليم المرأة
والتساهل في الطلاق وضرب الزوجة والفراغ الذي تعيشه المرأة في المجتمع
العربي الإسلامي) ليست من الشرع بل تمثل انحرافات داخل المجتمع فيقول "ولقد
نهى الشرع عن ذلك..." . لم يقدم ابن أبي الضياف أجوبة تعالج واقع المرأة
داخل النسق الثقافي الذي يعيشه فكانت الأسئلة تتعمد الإحراج خاصة وأن من
يجيب عنها شخصية مثل خير الدين التونسي أو ابن أبي الضياف قد زارا العديد
من البلدان الأوربية وشاهدا ما حققته هذه المجتمعات من تقدم في مجال حرية
المرأة وقد عبّرا في مجالات عديدة على انبهارهما بما توصل له الغرب من تقدم
وتطور،فكيف يفسّر ابن أبي الضياف "ظاهرة تعدد الزوجات عند المسلمين"؟
يقول: "في طبع الرجال عموما من القوّة والغُلْمة ما لا تكسره امرأة واحدة،
لذا أبيح التعدد والتسري. واحتاط الشرع لذلك بشرط العدل".كيف يمكن أن تصدر
هذه الأجوبة عن أحد أبرز رواد الإصلاح التونسي؟ هل يمكن لأحمد ابن أبي
الضياف وخير الدين التونسي أن يتجاهلا وضعية المرأة ويبرر أحدهما للآخر
الظلم والإقصاء التي تتعرض له المرأة المسلمة باسم الدين والشرع "كل أمة
لها شرع تلقته من رسولها مؤمنة بأنه وحي من ربه يجب عليها الوقوف
معه.....أما الشريعة المحمدية فحكمها عام في كل ما يتعلق بأهلها من عبادات
وعادات وعقوبة في الجنايات وغير ذلك، وأن حكامها لا تصرف لهم بالإجتهاد إلا
في تطبيق المنصوص في كتب الشريعة على الواقعة الحالية......فلا حكم إلا
للشرع فإن فهم العقل سرّه شكر الله وإن عجز عن إدراك السر فحسبه الامتثال
والعمل مع اعتقاد أن الله لم يخلق شيئا إلا بحكمة علمها من علمها وجهلها من
جهلها..." (رسالة أحمد ابن أبي الضياف في المرأة ص67) ؟يزداد التعجب
والاستغراب خاصة إذا علمنا أن هناك من سبق الوزير المؤرّخ ابن أبي الضياف
والمصلح السياسي خير الدين في تناول قضية المرأة التونسية بجرأة كبيرة في
ما يتعلق بمسائل تعليم الفتيات وتعدد الزوجات والميراث والحجاب فكتاب
"مسامرات قرطاجنة" الصادر بتونس باللغتين العربية والفرنسية سنة 1849 أي
قبل 7 سنوات من صدور أجوبة ابن أبي الضياف، اهتم فيه صاحبه، الأب فرانسوا
بورغاد (بترجمة الشيخ سليمان الحرايري) بوضعية المرأة النصرانية واليهودية
إلى جانب المرأة المسلمة داخل التركيبة الاجتماعية التونسية فكان أكثر جرأة
في طرحه من المؤرّخ والوزير بن أبي الضياف، الذي لا يُستبعَدُ إطلاعه على
"المسامرات" (بحسب الزموري في المراجعات). فهل يمكن لرواد الإصلاح أن يكونا
غير مبالين بمظاهر التخلف والإنحراف الإجتماعي الذي عرفته وضعية العائلة
والمرأة في ذلك العصر؟ أم أن في هذا الموضوع بالذات يصنف ابن أبي ضياف
سلفيا متدينا مدافعا على إسلام معياري وهو علم من أعلام الفكر النهضوي؟ أم
أن الإهتمام بالإصلاح السياسي كان غالبا على الرجلين فهما يعتبران أن نظام
الحكم هو الذي يتوقف عليه تقدّم الأمم. أم نتخذ المنحى الذي انتهجته النخب
الجامعية التونسية في تبرير محتوى هذه الرسالة، حيث اعتبر الأستاذ محمد
القاضي أن أهميتها تكمن في اعتبارها "من أوائل النصوص التي صرفت اهتمامها
إلى معالجة قضية المرأة العربية المسلمة.." (مجلة الإتحاف سنة 1996 عدد 67
)؛ كما اعتبر الأستاذ أحمد عبد السلام الأسئلة "من تلقاء أوربا وأجوبتها
يجب أن تدرس على أنها تجربة أولى محدودة تندرج في نطاق الخطة الكبرى
الخيرية التي يمثلها أكمل تمثيل كتاب أقوم المسالك" ؛ أو ما ذهب إليه
البشير بلخوجة في ترجمة ابن أبي الضياف "أما رتبته الفقهية فله اليد
البيضاء في العلوم الدينية، حتى أنه كان سيقدّم لرئاسة الفتوى بالمذهب
المالكي لمّا توفي شيخه سيدي إبراهيم الرياحي ..."؛ بل إن محقق الرسالة
المنصف الشنوفي يقول - متحدثا عن صاحبها - "كان إمام المعقول والمنقول فكان
لزاما على الباحث أن يستكشف ما تنطوي عليه هذه الرسالة من اتجاه في
الدّفاع عن الإسلام....فعلى هذا الأساس تنير "رسالة في المرأة" ابن أبي
الضياف المسلم المتدين من اهل الكتاب وبالأحرى من أهل الذمة.......ولا يمكن
تقرير مصير المرأة المسلمة ما لم نعتبر الأغلبية الساحقة من النساء
المسلمات في منتصف القرن التاسع عشر...وهو في ردّه لا يتهجم على الحضارة
الغربية بل إنه يقرر في اعتدال والدّرجة التي بلغتها الأمم الإفرنجية بل
وسائر الأمم المسيحية في الحضارة والرفه اقتضت حالتها الآن ما ذكره
السائل..."(نفس المصدر ص59).أم نطرح التساؤل كما الأستاذة عائشة بالضياف "
هل رجوع ابن أبي الضياف إلى القرآن الكريم والسنة يعدّ موقف رجعي أو
إصلاحي؟ ". (مجلة الإتحاف، سنة 1989).الخلاصة أننا نجد أنفسنا أمام فكر
إصلاحي لدى خير الدين وابن أبي الضياف تتجاذبه ثلاثة عناصر:انبهار معلن
وإعجاب مكبوت بما وصل إليه الغرب من حداثة في المجال السياسي خاصة والثقافي
والاجتماعي بدرجة ثانية.عدم القدرة أو انعدام الجرأة على التعامل مع
الموروث الثقافي من نصوص وتشريعات وصياغته بشكل جديد يواكب مشاكل
العصر.افتقاد رؤية فكرية وتصور للمسألة الاجتماعية ولوضعية الأسرة عامة و
المرأة خاصة.1-2 المرأة في فكر علماء الزيتونةعرفت البلاد التونسية منذ
بداية القرن التاسع عشر بروز الإتجاه المقاصدي والمنزع العقلي في الفكر
الديني، وقد بدأ هذا التوجه الإصلاحي يأخذ مكانته من خلال ازدهار الحركة
العلمية التي انطلقت مع البايات الحسينيين في نهاية القرن الثامن عشر مع
علي بن حسين ( ت1782). وبرز في هذه الفترة عدد من مشايخ الزيتونة محمد بيرم
الأول ( ت 1800) و"رسالة في السياسة الشرعية" التي عرّف من « خلالها
السياسة الشرعية بأنها "ما كان فعلا يكون معه الناس أقرب إلى الصّلاح وأبعد
عن الفساد وإن لم يضعه الرّسول ولا نزل به الوحي" (بيرم الأول محمد بن
حسين، رسالة في السياسة الشرعية. تحقيق محمد صالح العسلي ص21).ومن هنا يكون
النظر إلى الشريعة لا على كونها جملة من النصوص فقط (المنهج التقريري)
وإنما على أساس المقصد والمآل (المنهج المقاصدي). وعلى هذا المنوال سار
الشيخ محمد الطاهر بن عاشور الأول ( ت 1868)، الذي كان يردد "لا يعجبني أن
أقول هكذا قال الفقهاء، وما يمنعني أن أعلم الدّليل مثل ما عملوه." (إتحاف
أهل الزمان ج8، ص12). في هذا المناخ الفكري نشأ عدد من علماء الزيتونة من
أمثال سالم بوحاجب الذي كان من مريدي الشيخ الطاهر بن عاشور الأوّل، وبيرم
الرابع والشيخ محمد النخلي والشيخ الفقيه إسماعيل التميمي والشيخ محمد
السنوسي من أقطاب حركة التجديد في الفكر الإسلامي التونسي خلال القرن
التاسع عشر.1-2-1 الشيخ سالم بوحاجبولد سالم بو حاجب عام 1827 ببنبلة
بالساحل التونسي وتوفي سنة 1924 بضاحية المرسى بتونس العاصمة.يعتبر الشيخ
سالم بوحاجب ركنا من أركان النهضة الفكرية والدينية بتونس في التاريخ
المعاصر، وقد استهلّ الشيخ محمد الفاضل بن عاشور ترجمته له بالقول "إنّ هذا
العَلَمُ شعلة من الذكاء الباهر والعبقرية النادرة طلعت بين قرنين من
تاريخ البلاد التونسية فأضاءت مناهج الأدب ونوّرت ربوع العلم وعمرت نوادي
الظرف" (أركان النهضة الأدبية بتونس، ص16). وكانت صلة الشيخ بعالم
الرياضيات محمود قبادو (1815-1871) وطيدة جدا وقد ألهمته الأفكار الداعية
إلى النظر العقلي والانفتاح ورفض التسليم. وانظم الشيخ سالم بوحاجب إلى سلك
المدرّسين بالجامعة الزيتونية وهو في العشرين من عمره وكان له تأثير على
طلبة الزيتونة وعلى طلائع المدرسة الصادقية ودار المعلمين من أمثال البشير
صفر (1865-1917) وعلي بوشوشة (1859-1917) وكانت له علاقة متميزة مع الجنرال
حسين (1828-1887). و كان من ألمع تلاميذه الشيخ محمد الخضر حسين الذي قال
في خطبة حفل تأبين بالأزهر عندما توفي الشيخ سالم بوحاجب "فهو كان على غير
ما كان عليه جمهور المدرّسين في الزيتونة وكان مشجعا على البحث والاجتهاد
ويقول "هم رجال ونحن رجال"، والشيخ عبد العزيز الثعالبي الذي أصدر كتابه
"روح التحرر في القرآن" وهاجم فيه المحافظين وانتقد النزعة المذهبية التي
مثلت عائقا أمام تقدّم المبحث التشريعي وعزله عن مشاكل المجتمع.من أهم ما
ميز الشيخ سالم بوحاجب هو المراهنة على التربية والتعليم وإدخال العلوم
الصحيحة (الرياضيات والعلوم الطبيعية) في برنامج التعليم بجامع الزيتونة
(محمد الفاضل بن عاشور ). كما أن الاتجاه المقاصدي كان علامة بارزة في
التشريع لدى الشيخ سالم بوحاجب "أنّ عمران الأرض منوط بتدبير الإنسان حيث
جعله الله الخليفة فيها وركّب فيع العقل الذي هو الآلة الوحيدة لذلك
التدبير" (محمد الطاهر بن عاشور أليس الصبح بقريب، ص103). فالدين جاء
"ليعطي الإنسان ما به كمال الإنسان (...) بما أودع في الشريعة من اعتبار
المصالح التي تتجدد بتجدد الأزمان والمواقع..." (سالم بوحاجب، ديوان الخطب
ص344).كان هذا هو المنهج الذي يسير عليه سالم بوحاجب في الاجتهادات الفقهية
في باب العبادات وفي باب المعاملات.وفي الفتاوى التي أصدرها والتي حقق
فيها نظرية المناط في المجال الفقهي والإصلاح الاجتماعي والنضال
السياسي.-1-2-2الشيخ محمد النخلييعدّ الشيخ محمد النخلي القيرواني
(1869-1924) أحد شيوخ الزيتونة ذو التوجه الإصلاحي بتونس وعلماَ بارزا من
أعلام النهضة الفكرية بتونس. وقد ساهم في إكساب مؤسسة الزيتونة التعليمية
أسس جديدة في المعرفة والعلم والنضال الاجتماعي فكان الإنتاج العلمي للشيخ
محمد النخلي يقوم على أساسين أولهما إعادة أهمية العالم في المجتمع وتمكين
مؤسسة الزيتونة التعليمية من مرجعية جديدة أضاعتها قرون الإنحطاط. كان هذا
المعلم يرى أنه لا بد من استيعاب التراث من أجل تجاوز الجمود في الواقع
وفتح أبواب المستقبل. فرفع شعار المعرفة مناديا بأنه "لا كلمة أضرّ بالعلم
من قول القائل ما ترك الأوّل للآخر شيئا". وتأثر منذ شبابه بأفكار الشيخ
جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده، وكان من مريديهم والداعين لمنهجهم
الإصلاحي ودعوتهم لتجديد الفكر الإسلامي، وكان من أبرز تلامذته الشيخ محمد
الطاهر بن عاشور (1879-1973). دعا الشيخ محمد النخلي إلى تطهير العقيدة
الإسلامية ممّا علق بها من خرافات وبدع وفهم النصوص الدينية وتأويلها
تأويلا واقعيا، ونبذ الإتباع والجمود. وقد انتقد انتقادا لاذعا البرامج
التعليمية المعمول بها في جامع الزيتونة في عصره ودعى إلى تطويره وإدماج
العلوم الحديثة كالتاريخ والجغرافيا والإقتصاد والرياضيات، ونادى بضرورة
إعمال العقل والإدراك في المناهج التعليمية وإقتباس العلوم الحديثة من
البلدان الأوربية.ترك الشيخ محمد النخلي رسالة في المرأة المسلمة ورغم
اختصارها تكاد تكون فريدة من نوعها، حيث ذكر فيها مظاهر عناية الشريعة
بالمرأة.ومن خلال هذا العرض المختصر يمكننا الإقرار بالاختلاف في المنهج
والمضمون للفكر الإصلاحي لخير الدين وابن أبي الضياف الذي كان يعطي أولوية
للإصلاح السياسي "الآني" واعتبار أنّ نظام الحكم هو الذي يتوقف عليه تقدّم
الأمم ورقيها. والمنهج الإصلاحي لعلماء الزيتونة الذي يتفق حوله سالم
بوحاجب ومحمد النخلي والشيح الطاهر بن عاشور مع الشيخ محمد عبده ورشيد رضا
في الأطروحة التي تقوم على أن المعالجة السياسية للأوضاع في العالم
الإسلامي لا تؤدي إلى نتيجة بالنظر إلى شدة تأخّر الوعي الجمعي وبالنسبة
إلى مقتضيات الزمان، وبالنظر إلى الاختلال الكامل في ميزان القوى بين أوربا
والبلاد الإسلامية. لذلك اعتبرت النخبة الإصلاحية الزيتونية الإصلاح
القطاعي الذي يولي التربية والفكر الأولوية المطلقة هو البديل عن الخطاب
"الثوري الشامل" خاصة بعد فشل الإحتجاج الجماعي الذي حصل سنة 1884. (من
مقال للدكتور احميدة النيفر: الشيخ محمد النخلي العالم الشاهد).2-مرحلة:
الطاهر الحداد 1899-1935يمثل الطاهر الحداد الحلقة الناظمة في التسلسل
التاريخي للفكر الإصلاحي، فقد كان انشغاله بالصراع السياسي ضد الإستعمار
الفرنسي وانخراطه في النضال الإجتماعي ميزة جعلته يختلف عن مفكري الإصلاح
في عصره. كان الطاهر الحداد من أبرز مؤيدي الحركة العمالية بقيادة محمد علي
الحامي، إضافة إلى أنه يُعتَبَرُ المصلح الإجتماعي الوحيد الذي لم يسافر
إلى أوربا ولم ينبهر بحداثتها ولم يكن الفكر الغربي له تأثير على توجهاته
الفكرية، مقارنة بقاسم أمين ورفاعة الطهطاوي وغيرهما. كما أن تكوينه
الزيتوني وتأثره برجال الإصلاح بالجامعة الزيتونية آنذاك جعل فكره امتدادا
لفكر علماء الإصلاح الزيتونيين لكنه كان أكثر جرأة منهم في تنزيل تلك
الأفكار الإصلاحية إلى الواقع وتطبيقها على قضايا المجتمع. وقال عنه طه
حسين "لقد سبق هذا الفتى زمنه بقرنين".جمع الحداد بين المفكر الإصلاحي
والمناضل السياسي الوطني الغيور، فقد انخرط في النضال ضد المستعمر وكان أحد
مؤسسي الحزب الحر الدستوري سنة 1920 إلى جانب الشيخ عبد العزيز الثعالبي
الذي كلّفه بالدعاية والإعلام للحزب. ثم اتخذ موقفا من مواصلة المسيرة مع
من سماها "زمرة حادت عن المبادئ الأولى للدستور".ثم كان العضد الأيمن
والرأس المفكر لمحمد علي الحامي، فأسس معه جامعة عموم العملة التونسية سنة
1924 وأرّخ للحركة العمالية في كتابه "العمال التونسيون وظهور الحركة
النقابية" سنة 1927 ، وقد وقعت مصادرته من طرف سلطات الاستعمار لما احتواه
الكتاب من أفكار تنير البلاد وعقول العباد.يعتبر الطاهر الحدّاد من الأوائل
الذين انطلقوا من عملية معاينة وتشخيص للوضع المتردي في المجتمع التونسي
ووضع المرأة المزري فكانت أفكاره نقلة نوعية في الوعي السياسي والإصلاح
الاجتماعي لما احتواه كتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" من جرأة في
الطرح وشجاعة في المواقف. يرى الطاهر الحداد أن الإصلاح لا يقوم بغير
الصلاح: صلاح الناس والأفكار...فدعى في كتاباته لإصلاح الأسرة والعائلة
وتحرير المرأة. كان الطاهر الحداد متقدما على عصره ومتميزا في طرحه عن
المفكرين الإصلاحيين الذين سبقوه في المجال السياسي والفكري والاجتماعي
بالخصوص في موضوعين هامين قضية العمال وقضية المرأة والمناداة
بتحريرها.ويمكن أن نلخّص أفكار الطاهر الحداد المتعلقة بوضعية المرأة في
النقاط التالية:1- تقدّم المجتمع مرتبط بتقدّم المرأة وتحرّرها من الجهل،
وقد عبّر عن ذلك بقوله "نهضة المرأة هي نهضتنا جميعا".2- إعتبر أنّ مقاصد
الشريعة أهم من الإجتهادات التي تتغير بتغير الأزمنة مثل أحكام العبيد
والإماء وتعدد الزوجات.3-ضرورة معرفة أحكام الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول،
وملاءمة الفقه النسائي مع الظروف التاريخية وتغيّرها.ينقسم كتاب الحداد
"إمرأتنا في الشريعة والمجتمع إلى قسمين:القسم الأول: تشريعي يهتم يالمرأة
في الشريعة الإسلاميةالقسم الثاني: توصيف ومعاينة واقع المرأة في المجتمع
التونسي في القرن نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن الماضي
(العشرين).وأكّد الحداد في كتابه على ضرورة تغيير العقليات والمعتقدات
السائدة حتى يقبل المجتمع بتغيير وضعية المرأة. وانطلق الحداد من الإسلام
وقيمه الثابتة ومقاصد الشريعة الإسلامية ليبين أنّ الظلم والقهر والتسلّط
التي تعاني منه المرأة في المجتمع ليس ناتجا عن الدين والنصوص التي أنزلها
الله في كتابه وأقرّها الرسول عليه الصلاة والسلام قولا وفعلا، وإنما هو من
فعل المسلمين والفقهاء الذين أوّلوا الدين وقرؤوا النص حسب مصالحهم
الذكورية وظروفهم التاريخية والاجتماعية. واعتبر الحداد اختلاف المذاهب
الفقهية وتعدد تفسير الأحكام حول قضايا عديدة تخص المرأة دليل على أنها
اجتهادات بشرية وليست أحكام إلهية قاطعة.وهو إلى جانب حرصه على ضرورة إصلاح
وضع المرأة والنهوض بها كان أكثر حرصا على سلامة الأسرة كقيمة إجتماعية
ثابتة والدعوة لإنشاء روابط زوجية متكافئة تضمن جوّا مناسبا لتكوين مجتمع
سليم وبيئة ملائمة لإنشاء أجيال تحقق نهضة الأمة وتقدمها.كانت ردّة فعل
تيار الفقهاء والمشايخ المحافظين داخل الزيتونة غاضبة ورافضة لأفكار الطاهر
الحداد، لأنها تمس بشكل مباشر مصالحهم الذكورية التي تحميها البنى
التقليدية الموروثة وتضمن استمرار امتيازاتهم الأبوية داخل تركيبة المجتمع،
فنجد أن هؤلاء المشايخ يقدّمون غطاء القداسة الدينية لتبرير تسلّطهم على
المرأة، ما جعلهم يشنون حربا على الطاهر الحدّاد متّهمينه بالكفر والزندقة
وأخرجوه من الملّة.الخلاصة: نحن أمام حركة إصلاح في تاريخ تونس المعاصر
تنقسم إلى مدرستين تختلفان في المنهج الإصلاحي والمرجعية الفكرية.1-مدرسة
الإصلاح السياسي مع خير الدين وابن أبي الضياف يتجاذبها الإنبهار بالحداثة
الغربية وغياب التصور الفكري والأسس المرجعية في التعامل مع النص الديني في
مسألة المرأة والأسرة والإفراط في تقديم إصلاح الشأن السياسي على الإصلاح
في المجال الإجتماعي والثقافي.2-مدرسة الإصلاح الزيتوني التي تعتبر امتدادا
لحركة النهضة الفكرية الإسلامية التي يتزعمها جمال الدين الأفغاني وورثها
تلميذه محمد عبده ثم رشيد رضا في الأطروحة التي تقوم على "أن المعالجة
السياسية للأوضاع في العالم الإسلامي لا تؤدي إلى نتيجة بالنظر إلى شدة
تأخّر الوعي الجمعي وبالنسبة إلى مقتضيات الزمان، وبالنظر إلى الاختلال
الكامل في ميزان القوى بين أوربا والبلاد الإسلامية مما جعل الجانب السياسي
والنضالي يكون على هامش الهمّ الفكري والنظري.3- وأخيرا حلقة ناظمة بين
المدرستين يمثلها الطاهر الحداد فكرا ومنهجا في صيرورة نضالية فكرية
وإجتماعية تستمد شرعيتها من معاينة واقعية وأسس فكرية عجز الآخرون عن
تنزيلها على مشاكل المجتمع التونسي فتحمّل الطاهر الحداد بجرأته تبعات
الاصداع بما كان يراود شيوخه سرّا ، وأكبر دليل على ذلك معارضة الشيخ بن
مراد العلنية لأفكار الحداد، ومسارعته لدفع ابنته بشيرة بن مراد إلى ممارسة
ما كان يجاهر به الطاهر الحداد وينادي به في كتابه "امرأتنا في الشريعة
والمجتمع". وهكذا فعل الشيخ محمد الطاهر بن عاشور والعديد من أعلام
الزيتونة الذين حررهم الطاهر الحداد من خوفهم بعد أن امتصّ رفض المجتمع
وغضب رجال الفكر التقليدي
المحافظ.(يتبع)------------------------------------------------------------------------[1]
) هو العباس أحمد بن الحاج أبي الضياف من قبيلة أولاد عون، ولد بمدينة
تونس سنة 1804 كان أبوه كاتبا خاصا للوزير يوسف صاحب الطابع. ولاّه الباي
حسين خطة العدالة سنة 1822، ثم خطة الكتابة بديوان الانشاء سنة 1827 واختصه
بكتابة سره وضمّه إلى وزيره أبي محمد شاكير صاحب الطابع وهو أول من كتب
للدولة العلية باللغة العربية. قربه أحمد باي إليه ورفع منزلته ووسمه قبل
أن يرسله إلى اسطنبول سنة 1843 ويستصحبه في سفرته إلى باريس سنة 1847 . ثم
كُلِّف في ولاية الصادق باي بتحرير نص الدستور المسمى بعهد الأمان سنة
1859. كان صديقا ونصيرا مخلصا لخير الدين. وتوفي سنة 1874 ودفن حذو والده
بجامع يوسف صاحب الطابع. له كتاب بعنوان "إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك
تونس وعهد الأمان" في أربع مجلدات وهو مرتب على مقدمة وثمانية أبواب وخاتمة
طبع بتونس سنة 1963.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ecolay.yoo7.com
Admin
المدير العام
المدير العام



عدد المساهمات : 13176
تاريخ التسجيل : 09/12/2010

طلب مساعدة Empty
مُساهمةموضوع: رد: طلب مساعدة   طلب مساعدة I_icon_minitime14/1/2012, 12:21


يكشف هذا الكتاب عن
قضية هامة وهي أن الإصلاح لم يكن فكرة غربية مستوردة في ذلك الزمن كما يروج
كثيرون, فالمؤلف في مقدمته الطويلة ينظّر للإصلاح بشكل يرفض الحكم المطلق
ويدعو إلى تقييده بالشرع, ولا يتوانى عن إيراد حجج لا حصر لها مدافعا عن
دعوته إلى الإصلاح وضرورة وضع حد لظلم البايات وتجاوزاتهم.

وقف ابن أبي الضياف وهو العالم بالشريعة ضد الاستبداد والحكم المطلق مهما
كان نوعه, ورأى أن الاستبداد في حقيقته ضد حكم الشرع, ولذلك فهو باطل.
وعندما يثقل الحاكم المستبد كاهل مواطنيه بالضرائب والغلاء يصبح استمرار
حكمه خطأ تاما. ومن درر هذا الكتاب دعوته العلماء المسلمين ليدركوا "حال
الوقت", ويقصد به التطور الذي لا بد أن يصيب الجماعة داخل إطار الأمة
الكبير. والمهم أن يقوم أهل العلم وأهل الحكم بالتوصل إلى المعادلة التي
توازن بين ذلك كله , شرط أن تأتي محكومة بالعدالة.

قبل قرنين ونصف من الزمن أتحفنا التونسيون بـ "عهد الأمان" الأول, واليوم
وهم إذ يواصلون سيرهم نحو حياة كريمة والعيون ترقبهم يعكفون على تقديم عهد
أمانهم الثاني بكل شرف للعالم.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ecolay.yoo7.com
Admin
المدير العام
المدير العام



عدد المساهمات : 13176
تاريخ التسجيل : 09/12/2010

طلب مساعدة Empty
مُساهمةموضوع: رد: طلب مساعدة   طلب مساعدة I_icon_minitime14/1/2012, 12:26


معالجة الاستبداد السياسي في الفكر الإسلامي




"ملخّص"
الكواكبي في الشام وابن أبي الضياف في تونس والنائيني
في ايران عالجوا مسألة الحكم على ضوء النظرية الاسلامية ومستجدات العصر،
فماهي مصادر أفكارهم؟ وما الآليات التي اقترحوها للاصلاح السياسي؟ وهل
نجحوا في صياغة نظرية متكاملة للاصلاح؟ وماكان موقفهم من السلطة الحاكمة؟
هذا مايحاول البحث الاجابة عليه. كان لابن أبي الضياف موقفه من "الباي"
(الحاكم التونسي)، وكانت مصادر فكره تراثية وغربية. وركز على الاجتهاد لدعم
نظام الحكم. والكواكبي اهتم بالاستبداد الديني ورفض أن تتهم أحكام الشريعة
بذلك، وركز على مبدأ الشورى. أما النائيني فقد دافع عن الممارسة السياسية
الدستورية من وجهة نظر دينية، وأكد على مشاركة أفراد الامة في القرار
والولاية، وحق الامة في المشاركة والمحاسبة. ولاينطلق النائيني من أوجه
الاختلاف المذهبي حول الامامة، بل من واقع الامة الذي يفرض حلاً لمشكلة
الاستبداد في الحكم، ويرى أن الشورى تجمع بين أهل السنة والشيعة في صورة
الحكم الاسلامي.
مايزال الباحث في فكر النهضة العربية عبر مشروعها
التأريخي الطويل، يجد نفسه أثناء البحث، يسير في محاولة لتأكيد الهوية
الثقافية ببعديها، العربي والإسلامي. وبخاصة عندما يكون ذلك من خلال البحث
عن مفاهيم ومضامين التغيير التي طرقها "زعماء الإصلاح"، في واحدة من أهم
مراحل تاريخنا العربي والإسلامي. وحيث تحاول المعرفة هنا الكشف عن مفاهيم
ومضامين الإصلاح السياسي في عصر النهضة; فإن أول ما تصطدم به: الازدواجية
في التفكير، والاتباعية في المفاهيم، والإلحاقية الفكرية بمركز الإشعاع
الحضاري عصرئذ.
لقد ذهب القرن الذي عاشه الكواكبي وابن أبي الضياف وحسين
نائيني، وما تزال الأسئلة التي طرحوها دونما إجابة، وماتزال محاولات البحث
عن الاحتوائية الغربية في مغزاها السياسي والفكري ماثلة فينا، عند طرح
التحدي والاستجابة ومشروع الفعل في آن واحد، في أفكار زعماء الإصلاح وما
قدموه من مؤلفات وأفكار ونفائس.
وإذا تكررت المحاولات، فإن ذلك لا يعني
استنفاد البحث والتوقف، إذ تجد هذه الدراسة هدفها مركّزاً للبحث عن المصادر
والمفاهيم والمضامين، لمعنى الإصلاح السياسي عند ثلاثة رجال يعتبرون من
أبرز رجالات الفكر الإصلاحي العربي الإسلامي. ثم إن ذلك يضعنا في مجال
المقارنة بين المناخ الثقافي في المغرب والمشرق العربيين وإيران الإسلامية
الحديثة، وتباين الطروحات والآراء والمفاهيم.
لقد اعتمدنا في هذه
الدراسة الإتحاف والطبائع وتنبيه الأمة وتنزيه الملّة كمجال للفحص
والمقارنة وذلك من أجل إمكانية تحديد الأفكار وبلورتها في إطار إشكالية
الدراسة وكذلك إمكانية تحقيق أكبر قدر من الضبط لطبيعة البنية المعرفية
التي استند إليها أصحاب تلك المؤلفات.
تتركز إشكالية هذه الدراسة في الإجابة على جملة من الأسئلة:
ما
هي المصادر التي استقى منها ابن أبي الضياف والكواكبي وحسين نائيني
أفكارهم الإصلاحية؟ ! وما أدوات وآليات الإصلاح السياسي عندهم؟ ! وهل نجحوا
في إعطاء حركة الإصلاح بعداً فلسفياً خاصاً؟ ثم كيف عالجوا مسألة الإدارة
الموجودة آنذاك في أفكارهم الإصلاحية؟ وهل تم توجيه النقد مباشرة للسلطة
القائمة أم لا؟ ! وكيف لنا أن نصل إلى مضمون محدد المعالم للإصلاح السياسي
عندهم، وأخيراً كيف فهم كلٌ منهم الإصلاح السياسي؟ وهل كانت هناك محاكاة
لنموذج معين أم لا؟ .
أولاً: الدولة العثمانية ومأزق الإصلاح السياسي (ابن أبي الضياف والكواكبي نموذجاً)
١ - مصادر التفكير الإصلاحي
إلى
أي حدّ يمكن القبول بأن وصفاً لثقافة العصر الذي عاشه ابن أبي الضياف
والكواكبي، يمثل أحد أهم مصادر التفكير الإصلاحي عندهما؟ ، الأمر الذي يجعل
الدين صفة ملازمة لثقافتهما فيقال:
"يجمع بين ابن أبي الضياف والكواكبي
التكوين الديني"١ والذي نقرأه في سيرة كل منهما، نجد أنه بين الولادة
والنشأة الأولى كان لكل منهما مساس بالعلوم الشرعية.
لقد حفظ ابن أبي
الضياف القرآن بزاوية سيدي أحمد الباهي٢، وتحصّل على نصيب من العلم٣، ثم
بعد ذلك وُلّي "خطة العدالة"، ولما توفي المفتي المالكي إبراهيم الرياحي٤،
رُشح لمنصب الإفتاء٥، ولكنه آثر مصلحة قلمه السياسي٦على ذلك في تلك المرحلة
من حياته، وكتب يهنئ المتولي "وهذه إشارة أقدمها بين يدي تهنئتكم
بالولاية"٧.
ففي الوقت الذي تكون فيه الإدارة السياسية بيد شخص واحد هو
"الباي" وفي ظل غياب مفاهيم العدالة الاجتماعية والحرية، كان من الطبيعي أن
يكون ابن أبي الضياف بعيداً عن "السلطة". فانقلاب حال أسرته والتجائها الى
بيت الجد، وما مر بوالده من محن كادت أن تودي به، تركت الأثر الكبير
والقوي في نفسه الطامحة إلى الحرية والعدالة٨. ولعل هذا السلوك في محاولة
الاستقلال من جانب ابن أبي الضياف كان من أسباب احترامه وتقديره عند
البايات ومن ثم الدخول في خدمتهم. والحالة نفسها بالنسبة لعبد الرحمن
الكواكبي، الذي ولد في مدينة حلب حوالي ١٨٥٤م وسط أسرة كانت فيها نقابة
الأشراف، وبين تقلده للعديد من المناصب، التي كان آخرها رئاسة بلدية حلب.
عمل الكواكبي في الصحافة وعُرف كصحفي بارع، له منهجه الخاص في الكتابة
التحريضية مع إلمامه في الفقه والسياسة٩. وعمل في حقل التجارة حتى أصبح
رئيساً لغرفة تجارة حلب عام ١٨٩٢م. هذه التوجيهات والنشاطات يدعمها إلمام
بالقانون ورغبة في نصرة المظلومين والضعفاء، مما أدى به إلى دخول السجن عام
١٨٨٦م، بتهمة محاولة اغتيال الوالي التركي، فحكم عليه بالإعدام في حلب، ثم
برّأته محكمة بيروت١٠.
بعد هذا التقديم يمكن طرح السؤال التالي:
ما
هي المصادر التي استقى منها كل من ابن أبي الضياف وعبد الرحمن الكواكبي
أفكارهما الإصلاحية؟ ! من الممكن أن نستنبط هذه المصادر من خلال ما قدمه
ابن أبي الضياف حول الملك وأصنافه في إتحاف أهل الزمان، ومما قرره الكواكبي
حول الاستبداد، ومفهوم الإصلاح السياسي.
فيما يتعلق بابن أبي الضياف، فإن المصادر التي وردت في كتابه يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول: مصادر عامة، وقد شملت القرآن الكريم، والحديث الشريف، وبعض أقوال الحكماء والخلفاء الراشدين.
أما
النوع الثاني فهو: مصادر رسمية، أبرزها نص قانون السلطان سليمان القانوني
ونص قانون السلطان عبد المجيد، "ولم يزل القانون السليماني في تأخر
والمشيئة المطلقة في تقدم إلى أن تلافاه عبد المجيد خان بن السلطان محمود
خان رحمه الله فكتب لرعاياه عهداً منشوراً سمي الخط الشريف لوجود خط
السلطان فيه، وفروعه تسمى التنظيمات الخيرية"١١.
وشمل النوع الثالث
مجموعة من كتب التراث الإسلامي في الجوانب الفلسفية والتاريخية، فنجده طالع
كتابات كل من الغزالي، وابن رشد، وابن خلدون، والمقريزي، والطرطوشي،
والطهطاوي، وحسن خوجه (صاحب بشائر أهل الإيمان بفتوحات آل عثمان)، وخير
الدين التونسي١٢.
وإذا ما أجلنا النظر في كتاب طبائع الاستبداد
للكواكبي، فإننا نجده قد نهل من القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة،
وأشار إلى مؤلفات الرازي، والطرطوشي، والغزالي، وإبن خلدون. إضافة لاطلاعه
على نتاج الفكر الأوروبي الحديث أمثال ميكافيلي، ومونتسيكو والفاليري
وشيلر١٣.
والسؤال الآن من أين للكواكبي مثل هذا الاطلاع على بعض من نتاج
الفكر الأوروبي الحديث؟ !. ثم لماذا لا نجد ذلك عند ابن أبي الضياف؟ !.
يبدو
أن مهنة الصحافة التي عمل فيها الكواكبي، قد ساهمت إلى حدّ كبير في
الاطلاع على مثل هذا النمط، وكذلك يجب أن لا ننسى أن ولاية حلب التي عاش
فيها الكواكبي، إدارية واجتماعية. أما ابن أبي الضياف وهو الأكثر قرباً من
مثل هذه الثقافة، فيبدو أنه نظراً لما تلقاه من تعليم في الزيتونة جعله
دائم البحث في مصادر التراث الإسلامي البحتة. ورغم أن ذلك لا يعني إعفاءه
من الاطلاع عليها. فالمعروف أنه سافر إلى باريس سنة ١٨٤٦م وكلف عدة مرات
بمأموريات دقيقة إلى تركيا١٤. ثم إن تأليفه للاتحاف جاء بعد ذلك بفترة
طويلة، مارس خلالها العمل الإداري والسياسي. وكان من المفترض أن نجد مثل
هذا النوع من المصادر في ثنايا كتابه.
فهل نقول: إن مصادر التفكير
الإصلاحي عند ابن أبي الضياف، في أغلبها رسمية، أو أنها تنزع منزعاً
سلفياً، وهي عند الكواكبي تنزع إلى المعاصرة، فتعكس صورة رجل صاحب اطلاع
واسع وثقافة متعددة المصادر؟ ومع ذلك فسواء استلهم كل منهما القديم أو
استوحى الحديث في تفكيره، فإن التفكير الإصلاحي جاء انطلاقا من نظرية معينة
في الحكم فيها الكثير من التقارب عند كل منهما؟ ١٥.
لقد وصلت مترجمات
الفكر الغربي إلى الشرق مبكراً. ولعل الكواكبي قرأها واطلع عليها، وهو ما
يظهر في كتابه "طبائع الاستبداد"، وأما المتأخرون من أهل أوروبا فتوسعوا في
هذا العلم (السياسة) وألفوا فيه كثيراً من المحررين والسياسيين من
الافرنج، على أن الاستبداد السياسي متولد عن الاستبداد الديني"١٦.
وفي
باريس، التقى ابن أبي الضياف بالشيخ رفاعة الطهطاوي، ويبدو أنه اطلع على
بعض من محررات الأخير، وقرأ القانون الفرنسي من خلاله "رأيت هذه الحكاية في
كتاب مؤنس عربه من اللغة الفرنسية بعض فضلاء مصر وأسماه "قلائد المفاخر في
غريب عوائد الأوائل والأواخر"١٧، وهو بهذا يقصد الشيخ الطهطاوي وقد صرح
باسمه عند حديثه عن القانون الفرنسي فقال "ومن أراد الاطلاع على عقد نفيس
في هذا المعنى فعليه مطالعة الفصل الثالث من المقالة الثالثة من تأليف
الشيخ الألمعي، الفاضل محمد رفاعة بدوي الطهطاوي، الذي ألفه في رحلته إلى
باريس وأسماه: تلخيص الإبريز في وصف باريز، ولخص فيه القانون الفرنساوي"١٨.
البعض
يرى أن الكواكبي، أخذ مجمل كتابه من نتاج الثقافة الغربية، وبالذات من
مؤلفات الفاليري، ولكنه كان يستفيد في كل ما يقرأ فيدونه ويقيده ويوثقه،
إلى جانب خبرته في النضال ضد السلطة. ولقد نصّ على ذلك صراحة بتأثره
بكتابات غربية في كتابه طبائع الاستبداد "على أن هذه الأبحاث (يقصد
الطبائع) منها ما درسته قد ضبطته ومنها ما قد اقتبستهُ وقد حرصت في هذا
السبيل عمراً"١٩.
ومما سبق نجد أن مصادر التفكير الإصلاحي جاءت بشكل
متواز حيث الموازنة بين المعاش (التجربة) الخاصة، والمصادر الثقافية
الناتجة عن المطالعة الذاتية وهي في مجملها كتب التراث العربي الإسلامي، ثم
هناك القوانين أو المصادر الرسمية، وهذه كلها إن اجتمعت توفر لصاحبها
القدرة على الطرح السياسي بشكل أكثر وضوحاً وأدق تعبيراً.
ولنا أن نقول
أن الكواكبي كان يشكل مصدر قلق للسلطة أو (الوالي)، بينما كان نظيره صاحب
حظوة ومكانة بين الأمراء، ومع أن الأول كان رئيساً للبلدية في حلب ورئيساً
لغرفة التجارة، إلاّ أن هذه المراكز هي مراكز شعبية (جماهيرية) غالباً لا
يكون هناك دور للدولة فيها من حيث تقديم وتولية من تريده لها. فهي غالباً
ما تأتي بإرادة وفعل القوى المحلية في المجتمع، أما ابن أبي الضياف، فقد
كان على علاقة حسنة بالسلطة المتمثلة بشخص الباي، فكان بايات وأمراء البيت
الحسيني يولونه مكانة مهمة، وهو الأمر الذي تكشف عنه رسالة محمد الصادق باي
حينما كان أميراً للعهد، إلى أحمد بن أبي الضياف محاولة بعض الأمراء
التزلف إليه والحظوة لديه، فقد كتب رسالة يلومه فيها على عدم مكاتبته إياه
ولتأخره في مراسلتهم. فكتب يقول "أما بعد أتم السلام عليكم ومزيد الشوق
إليكم فلقد رأينا ما لا نعهده في شمائلكم الزكية…. ونكون السابق لقضاء
المودّة وعلى كل حال فعذركم وفعلكم على السداد محمول"٢٠.
٢ - وصولاً إلى مفهوم أوضح
ماذا قصد الكواكبي وابن أبي الضياف في أفكارهما، وما هو مفهوم الإصلاح عندهما؟ !.
إن
مفهوم الإصلاح خلال القرن التاسع عشر يمكن أن يكتسب عدة معان: فهو تغيير
أو إصلاح ويمكن أن يكون تغييراً وإصلاحاً وثورة ومحاكاة، ولكن يبدو أن هناك
مستويين في الإصلاح في جميع الاحوال، تتابعا ولم يتزامنا في تاريخنا
الحديث، المستوى الأول هو مستوى تقليد العالم الغربي والمجتمعات الغربية،
والثاني جاء بعد هذه المرحلة وهو مستوى إعادة التفكير في هويتنا كمسلمين
وكعرب وكحضارة٢١.
يبدو ابن أبي الضياف شديد التأثر بمنهج سلفه العلامة
ابن خلدون وهو الأعظـم حظوة عنده والأكثر احتراماً بين المفكرين، ٢٢ ومع أن
ابن أبي الضياف ركزّ على الإصلاح السياسي وتنظيم الملك. إلاّ أنه لم يغفل
الجانب الاقتصادي فقدم أراء هامة في مجال الاقتصاد السياسي أو السياسة
الاقتصادية٢٣ ولم يعزل الإطار السياسي عن الإطار الاقتصادي والاجتماعي٢٤.
الأمر الذي لم نجده عند الكواكبي.
واستند ابن أبي الضياف في دعوته
الإصلاحية إلى آليات محددة مستمدة من القرآن والسنة والاجتهاد، وهي كفيلة
ببيان النهج الذي ينبغي سلوكه في مجال السياسة "إن قانون الملك الإسلامي هو
القرآن العظيم، وأقوال الرسول، ثم استنباط الأئمة المجتهدين ورثة الأنبياء
في الكتاب والسنة وبالقياس وحفظ مقاصد الشريعة". ٢٥
إذاً فالتركيز عند
ابن أبي الضياف جاء في نقطة محددة وهي: كيف يمكن للاجتهاد فهم هذه الشريعة،
كتاباً وسنة وفقهاً، حتى تصلح أحكامها لتدعيم مواقف السلطة السياسية إزاء
ضغوط إسلامية وأخرى مسيحية وحتى يهودية؟ أو بعبارة أخرى وجيزة: كيف يمكن
للسياسة أن تصبح شريعة؟ ٢٦ لهذا نجده يشدد على واجب العلماء واجتهادهم في
فهم هذه المسألة "وهو فرض كفاية راجع إلى اختيار أهل الحل والعقد من الأمة
ودليل وجوب القانون (الملك) إجماع الصحابة"٢٧.
والإصلاح السياسي في
مفهوم ابن أبي الضياف متصل أشدّ الاتصال بالظاهرة الاقتصادية أكثر مما هو
عند الكواكبي، ولقد أخذت هذه الظاهرة معان محددة وواضحة أبرزها: المال،
الثمن، الجباية، المصاريف والصناعة، والفلاحة، والحرف٢٨.
قبل أن نبحث
المنظومة الإصلاحية عند الكواكبي في بُعدها السياسي، فإننا نجده ينزه
الإسلام مما أُلصق به من تهمة الاستبداد ويستشهد بالقرآن على أن الإسلام لا
مجال لرميه بالاستبداد. إلاّ أن الحكام هم الذين اتخذوا لأنفسهم صفة
الاستبداد وتستروا بالدين "ذلك أن القرآن وضع أصول الحرية وأرسى قواعد
الديمقراطية…. تسربت إليه مع الزمن الشوائب فأصبح عرضة للتبديل"٢٩.
وهنا
ثمة سؤال: ما الذي يدعو الكواكبي إلى مثل هذا التأكيد على عدم رمي الإسلام
بالاسبتداد كصفة ملازمة للحكم وليس للعقيدة والدين من أي حضارة، إلاّ إذا
كان هناك فهم خاطىء لإشكالية الممارسة والمعايشة الدينية؟ !. ومادام
الكواكبي مهتماً بمسألة الحرية والديمقراطية (ضد الاستبداد) فهل أعطاها
إطاراً فقهياً.؟ ومادامت النظرة الأساسية في هذا المجال هي دستور الأمة
وتاريخها وسنة رسولها. على أساس اختيار الفرد وحريته وانفكاك عبوديته؟ !.
ذلك
لأن المهام الأساسية في هذا المجال عند ابن أبي الضياف أخذت إطارها الفقهي
الإسلامي السياسي، من شورى وأهل حل وعقد، وإن كانت الشورى إذا ما ذكرت في
العقد الأول من مقدمة الإتحاف قصد بها ما يدور في بلدان أوروبا.
وهو
عندما يتحدث عن المجالس الشرعية، فالأمر متصل بالظاهرة الأوروبية، ومراقبة
المجالس فيها لأسلوب الحكم، وهو ما يراه أحمد عبد السلام "المجالس التي
يتعدى دورها الشورى إلى مراقبة الحكم والمشاركة في كليات السياسة"٣٠، وما
ينطبق على المجالس، ينطبق على أهل الحل والعقد كمصطلح له بعده الإسلامي،
أراد أن يضعه في إطار التجربة الغربية، فما لهذا المصطلح من تعريف تقليدي
فصّله وشرحه ابن أبي الضياف "أهل الحل والعقد من العلماء وأكابر الجند
ووجوه الحضرة" لم يمنعه من أن يضيف له أعضاء المجالس المتعلقة بالملك٣١.
وبذلك
يقع التوفيق في مدلول العبارة وفهمها بين التقاليد والمعنى الجديد، الذي
دافع عنه من قبل خير الدين التونسي على اعتبار أهل الحل والعقد يمثلون عند
الأوروبيين أعضاء المجالس السياسية.
ونجد عند الكواكبي اهتماماً كبيراً
بأمر الشورى، إلى حد أنه يجعلها أساساً من أسس الحكومة الإسلامية "وقد ظهرت
الحكومة الإسلامية مؤسسة على أصول حكومة ديمقراطية وشعبية وشورى
أرستقراطية، أي شورى أهل الحل والعقد في الأمة بعقولهم لا بسيوفهم"٣٢.
لقد
أراد الكواكبي من خلال مؤسسة الشورى إرساء قواعد الحرية والعدالة
والمساواة من أجل تقدم الإنسان لأنه رأى أن للحكومة العادلة آثاراً إيجابية
في سيرة الحياة العامة٣٣.
والآن: هل امتلك كل من الرجلين تصوراً واضحاً لمفهوم الحكم؟ ! أو هل بسّطا لنا شكلا لمعالم نظام سياسي محدد؟ !.
بسّط
ابن أبي الضياف هذا الأمر في مُشكل الحكم وأنواعه. ووجد أن الحكم المطلق
هو من أكثر أنواع الحكم سوءً. وقرر أن الإسلام منه براء "والحاصل أن هذا
الصنف وهو الملك المطلق يعارض الشرع، لأنه تصرف في عباد الله وبلاده
بالهوى"٣٤. كما أن العقل يعارضه لأنه تغلب وقهر٣٥.
وفي الملك الجمهوري
رأى أنه لا يتماشى مع الشريعة الإسلامية، وقواعد الملة الإسلامية لا تتفق
وهذا الصنف الجمهوري، لأن منصب الإمامة واجب على الأمة شرعاً وتنبني على
وجوده أحكام الشريعة في العبادات أو غيرها معروفة في الكتب الدينية٣٦.
وأفضل
أنواع الحكم عنده الملك المقيد بقانون "إذ هو بعد الخلافة، الملك الذي
تحاط به العبادات ويماط به الفساد ويقاد به المرء، وصاحبه ظل الله في
الأرض، لأنه أمر دائر بين العقل والشرع"٣٧.
أساس هذا النوع من الحكم،
أنه يبنى على قانون. إذا خالفه الحاكم انجلت بيعته "وقد ظهر هذا النمط في
بعض الملل المسيحية"٣٨. ويلاحظ ابن أبي الضياف أن القانون قد يكون هبة من
الملك وقد يكون نوعاً من التقييد للسلطة، وهو بهذا يشير إلى أسباب عهد
الأمان الذي حرره في سنة ١٨٥٧م. *
وإذ يُقدّم عهد الأمان من جانب ابن
أبي الضياف على أنه مطابق للشريعة إلى حدّ أنه يؤكد أن أحكامها جارية. فهو
يؤكد أيضاً على الالتزام به وعلى "أن ذلك من الأصول الجارية في الدولة
العليّة"٣٩. وكل من يصدر "منه ما يخالف هذه القوانين الموضوعة على أساس
متين، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولا نال فلاحاً إلى يوم
الدين"٤٠.
وعنوان كتاب الكواكبي دالّ على أنه أراد أن يعالج به واقعاً
سياسياً خاصاً. وهو الحكم المطلق "فالاستبداد في إصطلاح السياسيين هو تصرف
فرد أو جمع في حقوق قوم بلا خوف الأحق بالوجود، والأقرب إلى تحقيق السعادة
"نعم وجد للترقي القريب من الكمال أمثال قليلة في القرون الغابرة
كالجمهورية الثانية وكعهد الخلفاء وكبعض الجمهوريات الصغيرة والممالك
الموفقة لأحكام التقيد الموجودة في هذا الزمان٤١. وقد بلغ الترقي في
الاستقلال الشخصي في ظلال الحكومات العادلة لأن يعيش الإنسان الحقيقة التي
تشبه في بعض الاوجه ما وعدت به الأديان أهل السعادة في الجنان"٤٢.
والحكومة المستبدة عند الكواكبي، تكون مستبدة في كل فروعها "من المستبد الأعظم إلى الشرطي الفراش إلى كنّاس الشوارع"٤٣.
لكن هل قصد الكواكبي أن يوجه نقده هذا إلى حكومة الدولة العليّة آنذاك؟ !.
لقد
شرح الكواكبي الاستبداد، ومعنى وجود حاكم مستبد، يبدو ذلك من خلال
الحكومات القديمة في التاريخ; قاصداً به أن يتوارى عن المواجهة مع السلطة
العثمانية، ولكن كيف يكون ذلك ما دمنا لا نجد أي ذكر للسلطة القائمة في
عصره في كتابه؟ !.
يرى Elizer Tauber "إن الكواكبي كان ثورياً بطبيعته
وقد سمع مرة وهو يقول: لو كان معي أو تحت إمرتي جيش لاسقطت حكومة عبد
الحميد خلال أربع وعشرين ساعة. ولكن ذلك لم يكن، ومع ذلك فكتابه طبائع
الاستبداد لا يمكن أن يكون موجهاً مباشرة إلى الحكم العثماني" ٤٤.
وأياً
كان ذلك القول الذي نقله Tauber وأورده محمد عمارة من قبل٤٥، فإن الكواكبي
أدرك معنى المُشكل الذي مازال يواجه المثقف في علاقاته مع السلطة حتى
اليوم. وكما هو الحال مع ابن أبي الضياف فإن اطلاع الكواكبي على أنظمة
الحكم الغربية وطرقها جعله يفضل الحكم المقيد بجملة من القوانين ويخضع
لمراقبة المؤسسات الديمقراطية وهو الشيء الذي أشاد به عند النظم
الأوروبية٤٦.
هكذا اتفق الكواكبي وابن أبي الضياف على رفض الحكم المستبد
والمطلق القائم على الهوى الفردي، وبيّنا محاسن الحكم المقيد بقانون
والمبني أساساً على الشورى "ولا تتعين المصلحة الكاملة إلا بالمشورة"٤٧.
قال تعالى لرسوله المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى (لو كنت فظاً غليظ القلب
لانفضوا من حولك) ٤٨. ثم نجده يستشهد بما أورده الحسن البصري: كان صلى الله
عليه وسلم مستعيناً على مشورتهم ولكنه أراد أن تصير سنة الحكام ٤٩.
وفي
أوروبا يجد ابن أبي الضياف أن الحكومات أحدثت مجالس شورى أتخذت صيغة
قانونية "ومن فروع القانون عند أهله بأوروبا" مجلس شورى "من أعيان المملكة
وعقلائها، ينتخبه الأهلون ويختلف حال تركيبه وكيفية انتخابه وشروط المنتخب
وعدد رجاله باختلاف حالات البلدان وعاداتها"٥٠ وهذا المجلس هو الوكيل عن
العامة، ولذلك يكون بانتخابهم ليحمي حقوقهم الإنسانية ويدافع عنها بغير
خروج عن الطاعة٥١.
وفي هذا الخط يتجه الكواكبي، ويدعو إلى سن القوانين،
ومراقبة الحكومات، مبيناً أن دعوة الإسلام "من أي نوع كانت لا تخرج عن وصف
الاستبداد مالم تكن تحت المراقبة الشديدة والحساب الذي لا تسامح فيه، كما
جرى في صدر الإسلام…. وكما جرى في هذه الجمهورية الحاضرة في فرنسا"٥٢ وهو
بذلك يطالب بالفصل بين السلطات السياسية والدينية. تعبيراً عن واقع
الحكومات الغربية "التي أنشأت المجالس للسيطرة على الإدارة العمومية
والسياسية"٥٣.
فالمطلب الأول من أجل الإصلاح، هو: تحديد سلطة الحكام
تحديداً قانونياً يخدم مصالح الأمة وهي مصالح متنوعة ولا يكون هذا التحديد
دون استحداث مؤسسات الدولة الرقابية والتي على رأسها مجالس الحكم المنتخبة.
تاريخياً
يمكن القبول بما قصده الكواكبي وابن أبي الضياف، ويمكن أن يبرر ذلك
بالطابع الذي مرت به الحركة الإصلاحية في عموم البلاد العربية في تلك
الفترة. ولكن هل استطاع مصلحانا أن يضعا رؤيتهم الإصلاحية ضمن إطار فلسفي
خاص؟ ! وهل حاولا الانتقال من حيز المطالبة إلى حيز حكم الضرورة في
التنفيذ، وبالتالي تأكيد السلطة الثقافية الإسلامية على السلطان السياسي،
على أساس الرقابة التي ادّعاها فقهاء السنّة على السلطان؟ ! وهل إن اطلاعهم
على الفكر الليبرالي الغربي وما وصل إليه من نتائج، ساعدهم في حصر
الإشكالية الإصلاحية، في مجالها الاجتماعي والسياسي العربي الإسلامي؟ !.
٣ - البحث عن مضامين
لقد
شاع إطلاق لفظ الإصلاح على اتجاهات وحركات إصلاحية واجتماعية ظهرت في
العالم الإسلامي خلال القرن التاسع عشر فيما عدا الحركة الوهابية التي بدأت
قبل هذا التأريخ. وامتدت هذه الاتجاهات حتى النصف الأول من القرن العشرين
ولقد اختلفت هذه الدعوات باختلاف دوافعها وحجم التأثيرات التي أحدثتها٥٤.
فكيف
لنا أن نصل إلى مضمون محدد المعالم للإصلاح السياسي عند ابن أبي الضياف
والكواكبي؟ ! وإلى أي حد يمكن لنا القول إن الأول كان في اتصال مع حركة
المجتمع وتغيراته وبنفس الوقت هو على علاقة مباشرة بالسلطة القائمة في
تونس؟ !.
يرى أحمد جدي أن شخصية ابن أبي الضياف جديرة بالفهم والتعمق،
فهي متصلة بعمق في تكوين المجتمع التونسي قبيل الاستعمار، ويعتبر عمله
وفكره أحد أهم الطرق التي يمكن من خلالها فهم الحركة العامة للفكر العربي
الإسلامي الحديث والمعاصر٥٥.
ووصف ز. ي. ليفيين، الكواكبي "بأنه مفكر
سياسي، مُفعم بكراهية الاستبداد"٥٦، ولكن حكم ما تركه من إشكاليات مازالت
واقعة الى الآن لحد كبير جداً، ليصل الأمر أن هناك من يرى "أن ما تبقى لنا
من الكواكبي لكي ندرسه شيء كبير، يساوي بقدره حجم الإشكالية المحورية التي
تواجه حركة التحرر الوطني العربي"٥٧.
فالظروف التي عاشها ابن أبي
الضياف، والكواكبي وكذلك التجربة التي مارسها كل منهما في مجال الإدارة،
جعلت منهما أداة نقد مبررة سواء كان ذلك بقبول السلطة القائمة أو رفضها أو
ضيقها بهذا النقد.
يقول عبد العزيز الدوري: يذهب الكواكبي إلى نقد
الإدارة العثمانية ويبين أسباب الخلل بغض النظر عن العاصمة، وجهل المسؤولين
الإداريين بأحوالها. وتبرير الموضوع بسوء توحيد قوانين الإدارة…. ولهذا
نراه يتجه بدعوته للنهضة للغرب ويحدد وجهة نظر غريبة واضحة٥٨. في حين أن
ابن أبي الضياف لم يكن يخفي رأيه في مسألة الإصلاح العثماني أو ما يسمى
بالتنظيمات الخيرية التي وضعها السلطان عبد الحميد في السادس والعشرين من
شعبان ١٢٥٥هـ، الثالث من نوفمبر سنة ١٨٣٩م. إذ عبر عن عدم سلامة هذه
القوانين، وإمكانية إجراءها في بلاد العرب، وذلك في اجتماعه مع شيخ الإسلام
أحمد عارف خلال زيارته للأستانة سنة ١٨٤٢م "فقلت له إن التنظيمات الخيرية
يتعسّر إجراؤها في بوادي المغرب"٥٩ وإذا قبل ابن أبي الضياف بهذه التنظيمات
فإنه أقرها بعد إلحاح٦٠، "ولقد ألحّ شيخ الإسلام باستنابول على وجوب تلك
التنظيمات".
والسؤال الآن: ما هو مضمون الإصلاح السياسي في فكرههما؟ وهل
يمكن القول أنهما تقدما إلى الإصلاح على قاعدة أن التنظيمات هي أساس
العمران القائم على العدل والشريعة الإسلامية؟ !.
وأياً كانت المضامين
والأفكار، فإن محاكاة النموذج الأوروبي كانت ماثلة في طرحهما للاصلاح
السياسي، لكن يبدو أنه لم يكن هناك استيعاب لمسار التجربة الليبرالية في
إطارها التاريخي، وأنهم لم يفرقوا بين الجذور الثابتة والأصول المقررة،
وبين الصورة الظرفية التي تلبست الفكر الإصلاحي العربي في القرن التاسع
عشر. وهو ما يراه عبد الله العروي٦١.
هذا الأمر يكاد يكون أكثر وضوحاً
عند ابن أبي الضياف، وخاصة في حديثه عن مسألة العمران، فرغم استلهامه
للتجربة الخلدونية واستشهاده بها "الظلم مؤذن لخراب العمران"٦٢. ومع تأكيده
على أن تجربة التنظيمات العثمانية ناجحة في سياقها العمراني "وهذه الأصول
الجارية الآن في الدولة العثمانية بالتنظيمات أدت إلى ازدهارها في
العمران"٦٣، فإنه يحاكي النموذج الأوروبي "وانظر حال الإفرنج الذين بلغ
العمران في بلدانهم إلى غاية يكاد السامع لايصدق بها إلا بعد المشاهدة"٦٤.
وإذا
كان العدل أساس العمران عنده، فإنه عند الكواكبي متمثل بالعلم "وترقي
العلم والعمران هو من سنة الكون التي أرادها الله تعالى لهذه الأرض، ومع
ذلك فالعلم والاستبداد ضدان متغالبان فكل إرادة مستبدة تسعى جهدها في إطفاء
نور العلم"٦٥.
ولما كان الكواكبي ناقداً للاستبداد بكل صوره، وأنه لا
يأتي الاّ بمزيد من الانحطاط والتردي "لأن ظهوره على صاحبه مجلبة لأنواع
البلاء"٦٦ فإنه يرى بالحكم التركي آنذاك حكماً استبدادياً، فعمل على تصوير
أمم الغرب التي تعيش في ظل حكومات عادلة "فقد بلغت أعلى المراتب وإن الأمم
التي أسعفها حظها لتبديد الاستبداد نالت من الشرف المعنوي ما لم يخطر على
فكر"٦٧.
وأول ما يجني الناس من الإصلاح السياسي والتغير، عند صاحب
الإتحاف والطبائع "الأمن على النفس والمال والعرض وحتى لا تكون النفوس
الإنسانية والأجساد المكرمة فريسة"٦٨ "واستتباب الأمن وتوفيره ضروري للعيش
والكماليات تولد حب الوطن"٦٩.
حاول ابن أبي الضياف بصورة تكاد تكون أكثر
منها عند الكواكبي، وهي وضع مسألة الإصلاح السياسي في مضمونها العثماني
الإسلامي ولهذا نجده حاول الكشف عن فلسفة الإسلام في شأن السياسة. في حين
أن الكواكبي ركز على مصطلح "السياسة الاستبدادية" ويسعى كثيراً لتلخيص موقف
الأفراد من السلطة كما يجب أن يكون، وشدد على ضرورة وجود ضمانات لحماية
المجتمع من الحكم المستبد، وأكد على وجود "شروط للمراقبة الشديدة والمحاسبة
التي لا تسامح فيها"٧٠.
أكد الكواكبي على ضرورة أن لا يشعر المستبد
باستبداده، لأن عواقب ذلك تكون وخيمة، ولهذا طالب بأخذ الحيطة والحذر من
ذلك "والحذر كل الحذر أن يشعر المستبد بالخطر فيأخذ بالحذر الشديد والتنكيل
بالمجاهدين"٧١، ولكن ما مدى مسؤولية الدين عن الاستبداد السياسيوهل يمكن
تطويع الدين وتسويقه كأداة ضد الاستبداد؟ نقرأ عند الكواكبي "إن مصدر
الاستبداد السياسي الاستبداد الديني"٧٢، ولهذا نجده يبين أحكام الدولة
العادلة بغض النظر عن الدين٧٣.
أما ابن أبي الضياف فينكر وجود الاستبداد
ويرى أن الملك الجمهوري والمطلق لا يصلحان، ويضع حلاً لذلك، وهو الملك
المقيد بقانون، ويهتم بالقوانين التي هي بتعبير العصر "الدستور" ذلك أن مثل
هذه القوانين كشفت عن ضعف الدولة الإسلامية آنذاك وهذا راجع إلى عدم
الانقياد إلى صورة الشريعة٧٤.
المضمون الأساسي الذي ركزا عليه: رفض
الاستبداد بشتى أنواعه، والتأكيد على وجود القانون، أياً كانت صوره، سواء
بصيغة دستور أو هيئة عليا تضم أعيان الأمة أو بشكل مجالس انتخابية، أو
بصورة مؤسسات ديمقراطية بمختلف أنواعها. وفي جميع الصور والمجالات هذه
إذكاء لمعنى الشورى في الإسلام وتأكيد على سلامتها في توجيه الحكومات
والقيادات.
إلاّ أنّ هذا لم يأت من خلال التجربة الإسلامية فحسب،
فالمنظومة الفكرية عندهما متأثرة بشكل كبير بالمراحل الأخيرة التي بلغتها
الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا. وهو ما لم يستطع ابن أبي الضياف - الذي زار
باريس ودخل مكتبتها واطلع عليها - إخفائه. ولكن من المفيد أن نتذكر أن نتاج
الثقافة الأوروبية في ذلك العصر كان نتيجة لمرحلة طويلة من التكوين
والاكتمال والاستقلال، وهو خلاف ما كان رجالات الإصلاح يعيشونه داخل نظامهم
الثقافي العربي الإسلامي في تلك المرحلة. ومع ذلك، كما يرى فهمي جدعان
فإنهم شاركوا الأوروبيين أفكارهم وأحكامهم بل أنهم تجاوزوا الأمر عندما
كانوا أكثر عنفاً في النقد والمطالبة في الإصلاح٧٥.
فهل كان ابن أبي
الضياف والكواكبي يحاكون التقنيات الأوروبية عصرئذ، وبالتالي عدم إحراز أي
تقدم بأي مظهر من مظاهر الإصلاح؟ وهل استطاعا فهم الإصلاح بأبعاده العميقة
في الحضارة العربية الإسلامية؟ .
يبدو أن هذين المستويين كانا متداخلين
في تفكيرهما الذي جاء اتباعياً وإلحاقياً، اتباعياً بالنسبة للنموذج
الإسلامي وإلحاقياً بالنسبة للنموذج الغربي، نقد ابن أبي الضياف السلطة
إلاّ أنه قدم إصلاحاته في سياق الدور الذي مارسه من قبل ولزمن بعيد
الماوردي في أحكامه السلطانية، والغزالي، وإبن طباطبا في الفخري، والمراوي
في آداب الإمارة، والطرطوشي، وغيرهم. في حين أن الكواكبي كان الأقرب إلى
صورة المثقف المنتفض الذي وجد نفسه في القرن التاسع عشر أمام مطالبات
متعددة ومختلفة متعلقة بمسألة الهوية والوعي.
في ظل هذا المُشكل
الإصلاحي هل من الممكن القول: إن أفكار إبن أبي الضياف الإصلاحية جاءت في
سياق تفكير إصلاحي خاص في المغرب العربي، وهو الإصلاح الذي كان دائماً
مرتبطاً بدولة المخزن ثم ما لبث أن اختلف الأمر في العصر الاستعماري فأصبح
في إطاره القُطري الخاص بالدولة القائمة آنذاك.؟ وهل إن ما قدّمه من آراء
وافكار هي استمرارية لتقليد أقره كتاب مرايا السلاطين والأمراء في مجال
تاريخانيّة العلاقة بين المثقف والسلطة.؟
أخيراً لم يكن ما تم تناوله،
إلاّ محاولة للكشف عن ماهية وطبيعة المصادر الفكرية في آراء ابن أبي الضياف
وعبد الرحمن الكواكبي، ثم ما هي إلا محاولة للوصول إلى مفهوم ومضمون
التجربة الإصلاحية عندهما في مجالها السياسي. ويبقى الكواكبي أحد أهم أعلام
الفكر العقائدي والقومي والسياسي الدستوري في القرن التاسع عشر. ويظلّ ابن
أبي الضياف في حيزه الإصلاحي العربي الإسلامي المستنير. وقد ساهم كل منهما
في بلورة الأفكار الإصلاحية التي ماتزال إلى يومنا هذا تحتاج في أسئلتها
إلى البحث عن إجابة وتجديد للطاقات.
ثانياً: الدولة القاجارية والإصلاح الدستوري (مثال حسين نائيني)
منذ
منتصف القرن التاسع عشر، كان الوضع الداخلي في إيران، يسير متسارعاً نحو
الانهيار، فسياسة السيطرة والتزاحم الأجنبيين، وعجز وفساد الإدارة الحاكمة،
وطغيان الأسرة القاجارية، والارتهان السياسي والاقتصادي للسياسات
الأوروبية، شكلت جميعها عوامل هذا الانهيار المتسارع.
وبالمقابل، أدت
الأزمة السياسية والاقتصادية الناتجة عن جملة هذه العوامل، إلى حركة واسعة
من الاحتجاج والرفض. كانت مقدماتها قد بدأت مع مظاهرات الاحتجاج على امتياز
التنباك في العام ١٨٩١، ثم تلتها عملية اغتيال الشاه في العام ١٨٩٦….
وقد
حاولت قوى اجتماعية عديدة أن تقود هذا التحرك الشعبي: فهناك النخب المثقفة
ذات المنزع الديمقراطي والليبرالي، والتي كانت مشبعة بثقافة غربية، وتطمح
إلى أن تبني لإيران مؤسسات دولة حديثة تقوم على مبادىء الحرية والقانون
وسيادة الشعب، والتقدم الاقتصادي والاجتماعي. وهناك قوة تجار البازار الذين
شكلوا قوة سياسية أساسية بفضل موقعهم الحاسم في شبكة التوزيع وحركة
التجارة في البلاد. فضلاً عن وسائلهم المالية المتاحة في دعم الحركات
المطلبية الشعبية. وكان هؤلاء على صلة وثيقة بالعلماء. غير أن هاتين
القوتين (النخب المثقفة وتجار البازار) لا تستطيعان التحرك دون القوة
الأساسية الفاعلة في التأثير على الشعب، وهي قوة مراجع الدين التي يرتبط
بها الناس على مستوى علاقة عامة "المقلدين" بمجتهدي التقليد. فماذا كان
موقف هؤلاء؟ .
إن فئة من صغار علماء الدين نشطت بصورة مبكرة في التهيئة
للثورة الدستورية، فقد جمعت هذه الفئة بين الثقافة الدينية وبعض من الثقافة
الحديثة، وأسست منذ عام ١٩٠٢ "مجلساً للثورة". وبرز من هذه الفئة الميرزا
نصر الله المعروف بـ"ملك المتكلمين" (خطيب الثورة)، والسيد جمال الدين
الواعظ. وكان هؤلاء، وإن عملوا خارج إطار الحوزات الدينية، على علاقة بكبار
العلماء فيها، للاستفادة من نفوذهم الشعبي٧٦.
وأما بالنسبة لكبار
العلماء، فإنه ينبغي التمييز بين علماء المؤسسة الدينية "الرسمية" المعينين
من قبل الشاه، وبين علماء الحوزات العلمية في قم والنجف وغيرهما. فالمؤسسة
التي ضمت شيوخ الإسلام وأئمة الجمعة وقفت ضد الحركة الدستورية وأيدت الشاه
في كل شيء، حتى أن بعضهم أصدر "أحكام التكفير والتفسيق" ضد المطالبين
بالدستور٧٧. أما في الحوزات المستقلة فقد انقسم المراجع بين مؤيد للحركة
الدستورية وبين مؤيد للشاه. ومن النجف، جاء الدعم الأساسي للثورة والدفاع
"الشرعي" عن المطالبة الدستورية عبر مراجع التقليد، أبرزهم الملا كاظم
الخراساني، والشيخ عبد الله المازندراني، وعبر مجموعة من العلماء في
مقدمتهم حسين نائيني. ذلك أن محمد علي شاه الذي ارتد على الدستور الذي
فرضته الحركة الشعبية على والده مظفر الدين، لجأ إلى تقديم صيغة دستورية
مشوهة وإلى تعطيل المجلس التشريعي المنتخب، فكانت فتوى المرجع كاظم
الخراساني التي تقول: "إن الإقدام على مقاومة المجلس التشريعي، يكون بمثابة
الإقدام على مقاومة أحكام الدين الحنيف. فواجب المسلمين أن يقفوا حائلاً
دون أية حركة ضد المجلس"٧٨.
وفي خضم هذه المعركة التي انتظم فيها
المراجع والعلماء وانقسمت فيها الحوزات والمؤسسات الدينية الشيعية، بين
مؤيد للشاه، أي للحكم السلطاني، وبين مؤيد لـ"المشروطة" أي للحكم الدستوري،
ظهرت أدبيات فقهية تعكس من جانب الفقهاء الدستوريين غنى فكرياً تجديدياً
في الفقه. ويقدم كتاب حسين نائيني تنبيه الأمة وتنزيه الملة٧٩ مساهمة
أساسية في السجال الذي دار بين الفريقين.
يقدم النائيني (توفي١٣٣٥هـ /
١٩٣٦م) دفاعاً عن مبدأ الممارسة السياسية الدستورية، من وجهة نظر إسلامية،
فيرى أن الممارسة الدستورية هي مشاركة أفراد الأمة في القرار والولاية
"ومساواتهم - على حد قوله - مع شخص السلطان في جميع نوعيات المملكة من
المالية وغير المالية"، كما أنها حق للأمة في المحاسبة والمراقبة وتحديد
مسؤولية الموظفين"٨٠.
ويستشهد النائيني بموقف الأمة حيال الخليفة عمر بن
الخطاب، عندما رقى هذا الأخير المنبر يستنفر الناس للجهاد، فأجابوه "لا
سمعاً ولا طاعة" لأنه كان عليه ثوب يمان يستر جميع بدنه، مع أن حصة كل واحد
من المسلمين من تلك البرود اليمانية لم تكن كافية لستر جميع بدنه… وما
استطاع عمر أن يدفع اعتراضهم إلا بعد أن أثبت لهم أن عبد الله (ابنه) هو
الذي وهبه حصته من تلك البرود. كما يستشهد النائيني بموقف الأمة في "جواب
الكلمة الامتحانية الصادرة عنه: لنقومنك بالسيف"، وهو الجواب الذي أفرح
الخليفة عمر "لرؤيته هذه الدرجة من استقامة الأمة"٨١.
أما اعتياد الأمة
على الاستبداد والخضوع، فقد جاء في رأيه "بعد استيلاء معاوية وبني العاص
وتبدل هاتيك الاصول والفروع المذكورة بأضدادها، وانقلاب السلطنة الإسلامية
في مدة ابتلاء سائر الملل الأجنبية بمثل المأسورية والمقهورية المبتلين نحن
بها الآن"٨٢.
ويرى النائيني في تحرر الملل الأجنبية من الملكية المطلقة
"اتباعاً للمبادئ الطبيعية وإحاطة بالقوانين الإسلامية" في حين أن "سير
طواغيت الأمة المسلمة القهقرى أدى إلى الحالة الراهنة"٨٣.
ويبحث عن أصل
الحرية المناقضة للعبودية والجور والتحكم في النص القرآني والسنة النبوية،
والتنبيهات الصادرة عن الأئمة المعصومين٨٤. ويرى أن الاستبداد يقوم على
شعبتين من العبودية: "معبودية السلطان التي هي عبارة عن انقياد الأمة
لإرادته التحكمية في باب السياسة والملكية. كذلك يكون الانقياد والخضوع
لرؤساء المذاهب والملل بعنوان أنه من الديانة معبودية محضة…. " ويرى أن
"الاستعباد في القسم الأول مستند إلى القهر والغلبة. وفي القسم الثاني مبني
على الخدعة والتدليس٨٥. ويخلص إلى الاستنتاج أن تحالفاً وتكاملاً قائماً
بين الاستبداد السياسي والاستبداد الديني. يقول: "لولا ما نراه من ائتلاف
هاتين الشعبتين الاستبداديتين السياسية والدينية واتفاقهما وقيام إحداهما
بالأخرى، لما أصبح استعبادنا نحن الإيرانيين اليوم واضحاً مشهوداً"٨٦.
والنائيني
يشدد في تحليله للحلف القائم بين الشعبتين الاستبداديتين على مسؤولية
العلماء، حيث تحول قسم منهم إلى "علماء سوء" و"أميين لا يعلمون". وهو يشبه
موقف المقلدين العوام لهؤلاء، بموقف اليهود من أحبارهم٨٧.
ثم يعود
النائيني إلى شرح حقل مساواة الأمة مع شخص الوالي أو السلطان فيرى أنها:
مساواة في الحقوق، ومساواة في الأحكام، ومساواة في التقاص والمجازاة٨٨ ولما
كانت هذه المطالب التي رفعتها الحركة الدستورية، تحرر الأمة من الجائرين
من خلال مساواتهم بالحكام، وهم سلاطين وفقهاء، "رأت الشعبة الدينية
الاستبدادية - كما يقول - أن من الواجب بمقتضى وظيفتها المقامية المتكفلة
بالاحتفاظ على شجرة الاستبداد الخبيثة - باسم حفظ الدين قديماً وحديثاً -
عدم الإصغاء للخطاب الشريف، وأخذت تقاوم بكل ما في وسعها هذين الأصلين
اللذين هما منبع السعادة ورأس مال الأمة والمرتب عليها حفظ - حقوق الشعب
ومسؤولية الولاة". وما اكتفت أن تطلق عليهما "التحريم" بل "اجتهدت في أن
تبرزهما بأشنع الصور وأقبحها لتنفر منهما العامة وتصرف أنظار سواد الشعب عن
تتبع هذه الطرق الصالحة"٨٩.
وبعد أن يشدد على ضرورة تحديد السلطات
والصلاحيات في نظام الاستيلاء والسلطنة في جميع الشرائع والأديان، ينتقل
النائيني، إلى التبرير الفقهي للنظام السياسي الدستوري من خلال صيغة الشورى
التي طبقت في عهد الرسول والخلفاء الراشدين. ويرى هنا إمكانية كبرى لاتفاق
سني - شيعي حول هذه الصيغة. فتطلب عصمة الوالي السياسي في طائفة الإمامية
يوجب في زمن الغيبة تحديد السلطنة لترك التحكمات والاستشارات. إذ يقول:
"وعلى هذا فتحديد السلطنة الإسلامية بالدرجة الأولى التي هي عبارة عن ترك
التحكمات والاستشارات - مع الإغماض عن أهلية المتصدي والسكوت عن لوازم
مقامه من العصمة خصوصاً على مذهبنا، هو القدر المتفق عليه بين الفريقين….
وهو من الضروريات الإسلامية أيضاً……"٩٠.
واضح كيف أن هذا التوجه، يحركه
هم حاضر وهدف مستقبلي. فهو لا ينطلق من أوجه الاختلاف والخلاف حول تاريخية
الإمامة وأحقيتها، بل من واقع المسلمين الذي يفترض حلاً لمشكلة الاستبداد
في السلطنة، وهي المشكلة التي رافقت معظم عهود التاريخ الإسلامي حتى أمست
"شجرة خبيثة" لدى "السلطنات السنية" ولدى "السلطنات الشيعية" على حد سواء.
"وعلى هذا تكون حقيقة تبديل السلطنة الجائرة وتحويلها - كما يقول - عبارة
عن قصر استيلاء الجوري وتحديده والردع عن ذينك الظلم والغصب الزائدين، وليس
هو كما يتوهم عبارة عن رفع فرد من الظلم وجعل فرد آخر أخف وأقل منه
مكانة"٩١.
وصيغة الشورى، كما يفهمها النائيني، لا تتناقض مع دور الفقيه
في مذهب الإمامية. فهذا الدور الذي تفترضه "نيابة الإمام" والذي يتمثل
بالقيام بـ"الوظائف الحسبية" مع عدم ثبوت النيابة العامة في جميع الوظائف٩٢
يندرج في نظام شورى، بل مع عموم الأمة٩٣ ويستشهد بتفسير الآية الكريمة
فيقول: "…… ودلالة الآية المباركة (وشاورهم في الأمر) المخاطب بها نفس
العصمة وعقل الكل، وقد كلف بالمشورة مع عقلاء الأمة على هذا المطلب في كمال
البداهة والظهور، حيث يعلم بالضرورة أن مرجع ضمير الجمع هو عموم الأمة،
وقاطبة المهاجرين والأنصار لا أشخاص خاصة"٩٤.
وهذا الاجتهاد يوصل
النائيني إلى اعتبار الهيئة الدستورية المتمثلة بالجمعيات الوطنية أو
البرلمانات أو المجالس التمثيلية الصيغة الراهنة التي توصل إليها تطور
الحضارة الإنسانية وفقاً "للمبادىء الطبيعية" و"القوانين الإسلامية" اللتين
لا تناقص بينهما، بل إن النظام الديمقراطي الغربي أصله في الإسلام النظام
الشوروي. والنائيني يشدد على المقولة التي رددها العديد من المصلحين
والدستوريين الإسلاميين آنذاك: "هذه بضاعتنا ردّت إلينا"٩٥.
إن وجود مثل
هذه الهيئة في السلطنة ضروري كي لا يتحول الاستيلاء إلى جور. إنها نوع من
قوة ضابطة ورادعة ومسددة كما يقول النائيني. وهذه الهيئة تتوافق مع وجهة
النظر السنية القائلة بشروط علمية الخليفة وعدالته. ومع وجهة نظر الإمامية
القائلة بعصمة الإمام. إنها الإمكان الضروري في هذا الزمان. يقول: "في هذا
الزمان وقد أصبحنا قاصرين ليس من وجهة عدم إمكاننا أن نتمسك بالعصمة
العاصمة فقط، بل حتى من جهة اتصاف المتصدين للأمور بملكة التقوى والعدالة
والعلم الحقيقي، وبالعكس مبتلين بالضد المقابل لها. فكما أن الضرورة قائمة
على أن حفظ تلك الدرجة المسلمة من تحديد السلطة الإسلامية التي عرفت أنها
من الأمور التي اتفقت عليها الأمة، وأنها من ضروريات الدين الإسلامي،
والتحفظ على أساس الشوروية الثابت بنص الكتاب والسنة النبوية والسيرة
المقدسة، لا يتصور ولا يتحقق وجودهما (السلطة والشورى) إلا إذا استندنا الى
قوة خارجية رادعة ومسددة تقوم بدور القوة البشرية مقام القوة العاصمة
الإلهية، ولا أقل من أن تحل محل القوة العلمية وملكة العدالة"٩٦.
الهيئة
التمثيلية إذن هي "قدر مقدور من القوة العاصمة الإلهية بناء على أصول
مذهبنا في طائفة الإمامية - كما يقول النائيني - وبناء على مذهب أهل السنة
هي في مقام القوة العلمية وملكة التقوى والعدالة"٩٧.
وهذا الحل الدستوري
الديمقراطي الذي يدافع عنه النائيني في معركة تخوضها القوى المطالبة
بالدستور في كل من إيران والدولة العثمانية آنذاك، ضد الاستبداد الفردي
السلطاني، وضد تيار واسع من الفقهاء الذين يمثلون على حد قوله "شعبة
الاستبداد الديني" هو حل إسلامي، ليس فقط للمسألة الداخلية التي كانت
تعانيها من جراء القمع والجور والاستبداد، وإنما أيضاً لمسألة درء الخطر
الأجنبي الذي يتهددها بالتقسيم. فمشاركة الأمة في السياسة تستنفر قواها
للجهاد ضد الاعتداءات التي تتربص بها آنذاك من طرف روسيا وبريطانيا. ولذا،
فإنه يرى "أن تحويل السلطنة الغاصبة من نحوها الظالم الأول إلى نحوها
العادل الثاني، علاوة على سائر المذكورات، موجب لحفظ بيضة الإسلام وصيانة
حوزة المسلمين من استيلاء الكفرة الجائرين"٩٨.
وأخيرا، ما لبثت هذه
المعركة الفكرية - الفقهية التي تزامنت مع معركة الدستور العثماني، أن خفت
صوتها مع وفاة المرجع الكبير الذي احتضنها وهو الشيخ كاظم الخراساني في
العام ١٩١١. وجاءت ظروف الحرب العالمية الأولى لتعطل الجهود الدستورية
ولتقحم البلاد في مشاريع الاقتسام والتقسيم وسياسة مناطق النفوذ، ولتدخلها
في احتمال الحل العسكري الدكتاتوري. وبعدها تتقلص المشاركة الفقهية في
العمل السياسي، ويعتزل الفقيه في حوزته لفترة طويلة، قاصراً عمله على
العبادات والمعاملات والنصح أحيانا ومن جانب الشاه البهلوي الذي أنهى
بانقلابه العسكري في العام ١٩٢٣ سلطنة الأسرة القاج
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ecolay.yoo7.com
youmna
عضو جديد



عدد المساهمات : 6
تاريخ التسجيل : 18/11/2011

طلب مساعدة Empty
مُساهمةموضوع: رد: طلب مساعدة   طلب مساعدة I_icon_minitime15/1/2012, 02:43

شكرا جزيلا
انا جد ممتنة على هذه الافادة بارك الله فيكم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Admin
المدير العام
المدير العام



عدد المساهمات : 13176
تاريخ التسجيل : 09/12/2010

طلب مساعدة Empty
مُساهمةموضوع: رد: طلب مساعدة   طلب مساعدة I_icon_minitime15/1/2012, 05:30


نحن في الخدمة...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ecolay.yoo7.com
محمد معزوز
عضو جديد
محمد معزوز


عدد المساهمات : 6
تاريخ التسجيل : 13/03/2014
العمر : 22
الموقع : ecolay.yoo7.com

طلب مساعدة Empty
مُساهمةموضوع: رد: طلب مساعدة   طلب مساعدة I_icon_minitime14/3/2014, 08:30

شكرا على هذه المجهودات التي استخدمتها معنا يا أتاذ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
طلب مساعدة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» طلب مساعدة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: نافذة التواصل و الاستفسار و طلب المساعدة و التبليغ عن روابط لا تعمل :: الطلبات و المساعدة و الشرح-
انتقل الى: