Admin المدير العام
عدد المساهمات : 13176 تاريخ التسجيل : 09/12/2010
| موضوع: الجزائر: إلى أين تتّجه؟ 10/12/2011, 05:43 | |
| الجزائر: إلى أين تتّجه؟ أحمد بلقمري 2011-12-09
في عالم يفيض بسكّانه، يموج بالتغيّرات والاضطرابات لا يزال لسان حال الجزائري البسيط يتساءل عن مصير بلاده: إلى أين تتّجه الجزائر؟ كلّ الذّين تعاقبوا على إدارة شؤون البلاد ما فتئوا يجيبون الشّعب الجزائري منذ استرجاع السّيادة الوطنيّة وإلى غاية اليوم: الجزائر بخير، فهل هي كذلك حقّا؟
تشخيص الحالة الجزائريّة
الجزائر البلد القارة بحجمها وبالموارد الطبيعية والبشريّة الكبيرة التّي تكتنز عاجزة عن الإقلاع نحو التقدّم منذ ما يربو عن أربعين سنة، مشكلات تتخبّط فيها الجزائر بداية بمسألة الهوية والاندماج الاجتماعي، مشكلات عميقة وخلل في البنى والمؤسسات الاجتماعية، صراعات سياسيّة خفيّة وظاهرة بين مختلف القوى والطّبقات، انهيار لمخزون القيم الاجتماعية وظهور ما يعرف بالقيم المضادة للمجتمع كالاتجاه إلى تدمير الذّات (ظاهرة الانتحار حرقا/ الإرهاب/ الهجرة غير الشّرعية...)، ضعف كبير جدّا من النّاحية الإبداعيّة في ظلّ تغييب واستبعاد الطّاقات الخلاّقة بفعل مختلف السّياسات المنتهجة في عديد القطاعات... وغيرها من الأسباب التّي جعلت الجزائريّين يشكّكون في قدرة البلد على تجاوز هذه الحالة الغريبة والاتّجاه نحو ضمان بيئة مأمونة ومعطاءة للأجيال القادمة. إذا أردنا إيجاد حلول ناجعة لمختلف المشكلات التي جعلت الجزائر لا تقلع حضاريا كان لزاما علينا الاتّجاه أوّلا إلى دراسة الفرد الجزائري، سيكولوجيّته، تحديد هويّته (الهويّة الذاتية والهويّة الجماعيّة)، تحديد الحدود وتنظيم الأعمال ضمن الجماعات وبينها.. إذن سنكون في حاجة ماسّة إلى منهج علمي حديث يستطيع أن يمدّنا بالأدوات والوسائل اللازمة للإصلاح، سنكون في حاجة لآراء المختصّين لتفكيك هذه الشّفرة العصيّة عن كشف أسرارها.. هذا أهمّ شيء يجب أن يتوفّر إضافة إلى الإرادة والحماس الضروريين لتشخيص الدّاء ومعرفة كوامنه بما يضمن وضع خطّة صحيّة والتّنبؤ بالحالة واستشراف المستقبل.
ماذا يحدث بالضّبط في الجزائر؟
في الجزائر كلّ الأمور متشابهة حيث يسود منطق الغموض واللّبس معظم الأشياء.. في الجزائر ومنذ العام اثنين وستين هناك اختلاف وصراع مستمر بين مختلف الأطياف حول مسألة اختيار النموذج التنموي الأنسب للحالة الجزائرية، هذا الصّراع المتواجد في أعلى هرم السّلطة انتقل ليفجّر كثيرا من البنى والرّوابط ويفكّك عديد القيم على مستوى القاعدة، حيث ظهر الانقسام الواضح في مواقع الأفراد والجماعات في البنى الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية، وهو ما انعكس سلبا على مستوى الوعي وموضوع اختيار الإيديولوجيا المناسبة التي يلتف حولها الجميع والتي يريدها المجتمع لنفسه حتّى يتم اختيار البديل التنموي الأفضل في تغيير الواقع المتخلّف. إنّه من الواجب اليوم أن نقرّ بأنّ الجزائريّين قد فشلوا في اختيار النّموذج الثّقافي العلائقي الأنسب لاستخدامه في دفع عجلة التنمية والإقلاع الحضاري، والأسوأ من كلّ هذا أنّ النّظام القائم يرفض الاعتراف بهذا الفشل ويستمرّ في تغليط الرّأي العام الجزائري ويزجّ به في متاهات الخزعبلات غير المنتهية. إنّ صنّاع القرار في الجزائر وحدهم المسؤولون عن هذا الانهيار الكبير لدولة تمتلك كلّ مقوّمات الرقي والازدهار لكنّ شعبها يعيش بين براثين التّخلّف والفقر. إنّ سياسة الإخفاء والتّعتيم على عمليّة القرار والتّي يمارسها صنّاعه لم تعد مناسبة للتغطية على الحقيقة في القرن الحادي والعشرين لأنّ التحديّات اختلفت والرّؤى القديمة لم يعد لها أيّ وجود في عالم الحداثة وما بعدها، لقد حان وقت المصارحة والمصالحة ودون هذا سيكون التحوّل الثّوري أهمّ سمات المرحلة القادمة.
هل سيكون الفساد وقود إشعال الثورة في الجزائر؟
إنّ المراقب للشأن الجزائري سيقف على حقيقة مطلقة مفادها أنّ انفجار الصّراعات السياسيّة الموجودة في الخفاء والمتعلّقة بالموارد وتوزيع المناصب (جوقة المصالح واقتسام الرّيع) سيكون دافعا كافيا، قويّا ومباشرا لوضع الفرد الجزائري في موضع دفاعي من أجل استرجاع حقوقه المغتصبة، فهذا الأخير يشعر بالمرارة منذ أمد بعيد وهو يرى الوضع القائم يتّجه من السّيء نحو الأسوأ) الخرق المستمر للدّستور من طرف المسؤولين عن حمايته/ الانتهاك الصارخ للحقوق والحريّات الأساسيّة للمواطنين/ الفساد المالي والإداري/ غياب البديل التّنموي...). إنّ سياسة ترك النّاس في الظلام والحكم للمتمرّسين ستقضي على أحلام هؤلاء (أي المتمرّسين) في ظلّ تدني مواقع الأفراد والجماعات البسيطة) الطبقات الكادحة والمتوسّطة) وهو ما سيؤدي حتما إلى رفض النظام القائم والكفاح من أجل تغييره، ولو تطلّب الأمر خوض معركة كرامة بعيدة الأمد.
إقامة نظام جديد وجمهورية ثانية هو الحل
إنّ حاجة الشّعب الجزائري لإقامة نظام جديد تزداد يوما بعد يوم، وهي رغبة متجدّدة تهدف لإنهاء حالة التبعيّة للآخر وتجاوز حالة الاغتراب، إنّ الجزائريّون اليوم يدركون أكثر من أيّ وقت مضى بأنّ السّلطة ماضية في ممارساتها القديمة المتمثّلة في استغباء الشّعب من أجل الاستمرار في الاستيلاء على مقدّراته، وهذا في ظل غياب نيّة واضحة في الإصلاح الذّي لن يكون إلاّ بإحقاق العدالة، فّالدّيمقراطيّة مرتبطة بالحقوق والحريّات والعدالة وحدها القادرة على ضمان تحقيقها، ودون هذا لن تكون الجزائر بخير.
' باحث جزائري في القضايا النّفسيّة والتربوية
| |
|