الحلقة الثانية
تحدثنا
في الحلقة الماضية عن العادات السيئة التي قد تسيطر على الإنسان وتوهمه
بالانهزام، وأوضحنا أن جزءا كبيرا من الشعور بالعجز أمام نزواتنا نابع من
داخلنا، وأن القدرة على التغيير تعود إلى إرادتنا الذاتية تجاه الاستمرار
في ممارسة تلك العادات أو الإقلاع عنها.
سنتابع الآن ما ابتدأناه في هذا المجال،
وسننتقل
على الفور إلى التطبيق العملي من خلال بعض التقنيات التي تساعدنا على فهم
ذواتنا بشكل أفضل، ومن ثم استنباط الطرق العملية القادرة على توجيه إرادتنا
نحو ما تمليه عليه عقولنا.
سنستخدم الآن بعضا من تقنيات البرمجة اللغوية العصبية لتحقيق هذا الهدف،
وقبل الدخول في التطبيق العملي لابد لنا من وقفة قصيرة مع بعض التفاصيل النظرية، إذ سنقوم عمليا بمحاولة إقناع أنفسنا بما يسمى
[center]"تغيير
المناط أوالقصد _المناط في اللغة هو القصد والهدف من الشيء_ " وذلك للتخلص
من إحدى العادات التي يصعب علينا التخلص منها، وسنشرح الآن بعض ما يتعلق
بهذه الطريقة.
، فعندما أتناول طعامي مثلا فإن قصدي من ذلك هو أحد الخيارات التالية:
1- إما التلذذ بالطعام، ومن الواضح في هذه الحالة أن أهتم كثيرا بمدى إمكانية الطعام على إشباع رغبتي في التلذذ به.
2- وإما التغذي
للبقاء على قيد الحياة، وهنا لن يكون من المهم جدا صنف الطعام الذي أتناوله
مادام يقوم بتحقيق المناط، فقد يكون طعاما قذرا أو ضارا بالصحة ولكنه يسد
الرمق.
3- وإما أن أربط
بين تناول الطعام والمهمة التي أوكلها الله سبحانه إليّ من إعمار الأرض،
وهي مهمة تحتاج إلى غذاء وقوة في العقل والبدن، وبالتالي فإن المناط هنا قد
جعل من مجرد تناولي للطعام إلى عبادة مأجورة.
نلاحظ مما سبق
أن الفعل واحد، وهو تناول الطعام، ولكن القصد مختلف. لذا فإن الله سبحانه
قد ربط الحساب والمساءلة بالقصد والنية، فقال الرسول الكريم عليه الصلاة
والسلام: "إنما الأعمال بالنيات، وإن لكل امرئ ما نوى.."، والأمر ذاته
ينطبق على كافة التشريعات المعروفة لدى البشر، إذ لا يعقل أن يحاسب الإنسان
على فعل ارتكبه دون قصد، بغض النظر عن كافة الآثار المترتبة عليه، ما لم يكن الفاعل مقصرا في اتخاذ الاحتياط الواجب.
بناء
على هذا، فإن التقنية التي سنستخدمها اليوم تقوم ببساطة على محاولة تغيير
المناط الذي يدفع الشخص إلى ارتكاب العادة السيئة التي يشتكي منها، وتقوم
هذه الفكرة على الفصل بين القصد والسلوك،
إذ أن
الشخص المقصود لا بد وأن يكون مدركا للضرر الذي تسببه له هذه العادة وإلا
فما كان ليعتبرها سيئة ويبحث عن الخلاص منها، وفي الوقت نفسه فإن هذا الشخص
يقوم بملء إرادته بانتهاج ذلك السلوك الذي يمارس من خلاله عادته السيئة،
وتفسير ذلك ينطوي على أن نفوسنا تكون عادة موزعة إلى أقسام عدة في داخلنا،
وقد تكون في أحيان كثيرة متضاربة ومتناقضة، إذ قد يقصد أحد أجزاء نفوسنا
فعل الخير، في الوقت الذي تنازعه فيه أجزاء أخرى لارتكاب الفواحش والكبائر.
وتعمل كل من العقيدة والتربية (أي العقل والبيئة) على توجيه قصدنا
ونوايانا نحو الخير أو الشر، ليتحدد بناء على ذلك سلوكنا الخارجي، ويبقى
الإنسان في صراع دائم بين هذه الأجزاء المتصارعة، بينما نجد فئة من الناس
قد حسموا الأمر بأن ارتضوا لأنفسهم طريق السوء حتى اختلط عليهم الخير والشر
ولم يعد هناك أي فرق بينهما في نفوسهم، أما الربانيون والأولياء الصالحون
الذين روضوا نفوسهم على مراقبة الله والحياء منه، فقد يصل بعضهم إلى درجة
تدفع الشيطان إلى أن يسلك طريقا آخر غير الذي يمشي فيه كما أخبر النبي (ص)
عن عمر بن الخطاب. وبين الفئتين هناك عوام الناس وهم درجات متفاوتة، كمن
وصفهم الله تعالى بقوله: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا
عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (التوبة:102)، ولا ننسى هنا أن نذكر بأن
الله وحده هو المطلع على النوايا وخفايا الصدور، فقد يقلع العاصي الفاجر عن
معصيته ويدخل في أعلى مراتب الربانيين لآية يسمعها من كتاب الله في لحظة
من لحظات تجلي رحمته، كما حدث للعابد الزاهد الفضيل بن عياض رحمه الله، أو
يحدث العكس بأن يضيع أحدهم عمله لسنين طويلة بعد أن يفضح الله ما في قلبه
من قلة حيائه من الله أو مراءاة للناس فينقلب حاله في آخر عمره ويدخل النار
كما ورد في الحديث، ونجد مصداق ذلك في سلوك عمر الفاروق الذي لم يغتر
ببشارة الرسول (ص) له بالجنة, فظل يستحلف حذيفة بن اليمان أمين سر المصطفى
(ص) راجيا أن يخبره إن كان الرسول قد ذكره في عداد المنافقين.
وللعودة
إلى ما بدأنا به، فإن طريقتنا تقوم على محاولة فصل الأجزاء المتصارعة في
نفس الإنسان، ومن ثم عزلها، كما يعزل الطبيب الجراثيم عن الخلايا السليمة،
لنقوم بعدها بعلاج هذا الجزء المصاب من نفوسنا بتحليل أسباب الانحراف، ثم
تقويمه بالحوار والإقناع الهادئ، وسنجد أن الأمر في غاية البساطة إذا ما
اتُبع بالطريقة الصحيحة ودون تعجل.
سيقوم
كل منا الآن بمحاولة أخذ الأمر على محمل الجد، وسيطرد من رأسه كافة
الأفكار التي قد تشوش ذهنه. حاول أن تبعد عن رأسك فكرة التجريب والمراقبة
عن بعد وكأنك غير معني بالأمر، بل تشجع على استحضار واحدة من العادات
السيئة التي تنوي بالفعل التخلص منها ولكنك لم تفعل حتى الآن لأي سبب من
الأسباب. تذكر أنك تقوم بذلك بمفردك وأنه لا أحد يراقبك، باستثناء نفسك
التي تريد لك الخير، والملك الموكل برصد تحركاتك لتحاسب عليها، والأهم من
ذلك كله: الله سبحانه وتعالى الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. لا
تنس أن تفكر أيضا بأنك لا زلت تملك الفرصة كاملة للتخلص من هذه العادة
السيئة، وأن باب التوبة مفتوح، وأن الموت أقرب إلى أحدنا من شراك (أي رباط)
نعله، وأن الله بكل عظمته وهيبة ملكه يفرح بتوبة عبده أكثر من فرح أحدنا
بالنجاة من الهلاك في الصحراء من الجوع والعطش – كما ورد في الحديث-.
[size=16]
[size=16]
[size=16][size=16][size=16][size=16][size=16][size=16]
[size=16][size=16]استرخ الآن، حرر ذهنك، وتجرأ على المواجهة بعزيمة ثابتة.
تخيل
أن شخصا وقورا محبا لك يجلس الآن إلى جانبك ويقوم بإجراء الحوار التالي
معك، واحرص على أن تكون صريحا معه لأنه شخص وهمي لن يفضح سرك لأحد:[/size][/size][/size][/size][/size][/size]
[size=16][size=16][size=16][size=16][size=16]
[size=16]يقول
الشخص المخلص: تخيل أن نفسك الآن قد انقسمت إلى قسمين، ونتج عن ذلك شخصان
متطابقان يحملان اسمك وصورتك، وهما يجلسان إليك الآن وجها لوجه. هل تراهما
جيدا؟
حسنا،
افترض أن الذي على يمنيك هو الجزء الطيب في نفسك والذي يفكر بعقلك ويتمنى
لك الخير في الدنيا والآخرة، وهو يفكر دائما بالعواقب وحسن المقاصد، ويختار
لك ما يحقق المصلحة العاجلة والآجلة. أما الذي على شمالك فهو يتمنى لك
الخير أيضا ولكن بميزان مختلف، فهو ينظر للأمور من منظار اللذة، ويختار
منها ما يشبع رغباتك الحسية والمعنوية بقطع النظر عن العواقب، كما أنه
غالبا ما يقصر همه على اللذة العاجلة ولا يفكر في النتائج.
والآن.. اسأل الشخص الذي على شمالك عن السبب الذي يقف وراء اتباعه لتلك العادة السيئة مع علمك بأنه يريد لك الخير.
سيجيب بأنه كان يفعل ذلك لأجل المتعة ليس إلا.
- حسنا، اسأل الآن الشخص الآخر الذي يجلس إلى يمينك واسأله إن كانت هذه العادة في صالحك.
سيجيب بالنفي طبعا.
- اسأله عن السبب الذي يدفعه للاعتقاد بذلك.
سيجيبك بكل ما يعرفه عن مضار هذه العادة، وهذا يعود إلى مدى ثقافتك واطلاعك.
- والآن اطلب منه أن يؤكد لك أن ميزان المصالح يميل إلى كفة ترك هذه العادة.
وستجد أن جوابه يتعلق أيضا بمدى اطلاعك، ولكن أرجو منك ألا تحاول التأثير على أجوبته وأن تتركه ليخرج كل ما في جعبته.
- أنصت
إليه جيدا، وبعد أن تشعر بأنه قد أقنعك بأن ترك هذه العادة خير من الإبقاء
عليها اطلب منه أن يساعدك على اقتراح عدد من الوسائل التي يمكن أن تحقق لك
المتعة ذاتها دون أن تعرض نفسك لتلك المخاطر.
- والآن
عد مرة أخرى إلى الشخص الآخر الذي على شمالك وأخبره بأنك تملك عددا من
أسباب المتعة التي يمكن أن تحقق لك ما تريد، وخذ رأيه في ذلك.
وبما أن هذا الشخص لا يزن الأمور بميزان العواقب والنتائج، ويقصر اهتمامه على تحقيق المتعة فسيكون جوابه صريحا بالتأكيد.
- والآن اسأله إن كان لا يمانع من استبدال هذه الوسائل الجديدة أو بعضها -حسب الإمكانية- بتلك العادة السيئة.
وسيجيبك بالإيجاب طبعا إذ لا فرق لديه ما دامت المتعة متحققة.
[/size][/size][/size][/size]
[/size][/size][/size][/size][/size][/size]
هنا
ينتهي الحوار، ولكن لا تنس أن تطلب من كل شخص منهما أن يثبت على مواقفه
وألا يغير رأيه في القضية دون استشارة الآخر، وستجد أن هذه الطريقة نافعة
بالفعل إذا ما طبقت تحت إصرار منك وعزيمة على الإقلاع عن تلك العادة، علما
بأن مدى نجاحها يعتمد على قوة أجوبة الشخص الذي في جهة اليمين، كقدرته على
إقناعك بمضار هذه العادة، ولا يتأتى ذلك إلا بالاطلاع على مضارها والاعتبار
بتجارب الآخرين، كما يعتمد على قدرته على اقتراح بدائل فعالة يمكن لها أن
تحل محل هذه العادة. وللحصول على أفضل النتائج، ينصح بتطبيق هذه الطريقة في
حالة من الاسترخاء والصفاء الذهني، كما يفضل أن تكرر مرات عدة حتى تتمكن
من ترسيخ الأفكار التي ستتوصل إليها في ذهنك، وصولا إلى جعلها عادة تقوم
بها دون تفكير منك أو قصد.
نقدم لك هنا بعض الأفكار التي يمكن أن تساعدك في تطبيق العلاج مع عادة التدخين كمثال، وهو نزر يسير مما يمكن لك أن تقرأه أو تبدعه بنفسك بعد التأمل:
المضار:
أظهرت
دراسة صدرت في لندن في منتصف التسعينات أن الذين يتوقفون عن التدخين يظلون
عرضة للإصابة بسرطان الرئة بنسبة أكبر من غير المدخنين بحوالي ثماني
مرات،حتى بعد أن يقلعوا عن التدخين لمدة طويلة. وأعلن الدكتورة ونان
أودريسكول عن نتائج الدراسة بقوله: "يجب ألا يتوهم المدخنون بأنهم قادرون
على الاستمرار في التدخين حتى سن الثلاثين أو الأربعين ثم يتوقفوا .. إن
الوقاية الأفضل هي بإقناع المراهقين بعدم الاقتراب من التدخين منذ
البداية".
البدائل:
هناك مستويان من العادة:
1- الإدمان العصبي
على مادة النيكوتين: ينصح باستخدام لصاقات النيكوتين التي يلجأ إليها
المدمنون على التدخين، مع التقيد بالبرنامج الطبي الذي يشير إليه المختصون
للتخلص التدريجي من هذه السموم
2- تعود الفم
والشفتين على السجائر: قم بتعويض شفتيك عنها بمص عيدان من جذور السوس حلوة
الطعم، أو السواك، أو مصاصة بلاستيكية كالمستخدمة لشرب العصير، كما يمكنك
الاستعاضة عنها بتفصيص بذور البطيخ أو مضغ العلكة.
[/center]