Admin المدير العام
عدد المساهمات : 13176 تاريخ التسجيل : 09/12/2010
| موضوع: قتل شقيقه بعد خلاف حول تشغيل شريط غنائي 17/2/2012, 04:33 | |
|
قبل الشروع في استحضار تفاصيبها، وصفها بأنها “مأساة درامية”، فهي جريمة كبدت أسرة صغيرة إثنين من أفرادها، يقول دركي كان قريبا من التحقيق في الجريمة إنه لم تخطر ببال هذه الأسرة، قط، أن يصيب «أحمد» شقيقه «مصطفى» بطعنة غائرة على مستوى الفخذ (جراء سبب تافه) تسببت له في نزيف حاد، لم يتوقف إلا بعد أن نزف كثيرا، ليطلق صرخة حادة صعدت عنان السماء، وسط اندهاش واستغراب الأبوين اللذين فقدا في لمح البصر اثنين من أبنائهما… يذكر الدركي أن «أحمد» قد ارتكب جريمة قتل في حق شقيقه «مصطفى» بشكل أثار استغراب أفراد الأسرة والأهل و الجيران الذين ألفوه شابا وديعا يتسم بمكارم الاخلاق، فقد عاد لتوه من عيادة خالته المريضة تلك الليلة الحارة، تلبية لنداء الواجب الذي يفرضه حق المسلم على أخيه المسلم دون أن يدور في خلده أن وقتا قصيرا فقط ذاك الذي يفصله عن تحويل حياة العائلة ككل إلى مأساة حقيقية…
عاد الفتى رفقة والدته إلى البيت، وقد دنت عقارب الساعة من منتصف الليل، إذ ألفيا باقي أفراد الأسرة يتفرجون على شاشة التلفاز أملا في تكسير روتين حياة البداوة، والاستراحة من تعب الأعمال الشاقة التي تفرضها خدمة الأرض ورحلات الرعي والبحث عن كلإ طري يسد رمق قطعان الماشية وسقي الماء من البئر… كان «مصطفى» من بين أفراد العائلة الذين يتفرجون على شاشة التلفاز وقد غمره صمت غريب وكأنه يلقي نظراته الأخيرة على الإخوة والوالدين قبل أن يطلب من شقيقه مؤانسته في النوم فوق سطح البيت المتواضع الذي تفوح من بين جدرانه روائح الفقر وتنسكب منه صور البؤس والحرمان، هربا من حرارة الجو المفرطة التي حولت الغرف الإسمنتية إلى ما يشبه أفرنة الأحياء التقليدية… في سطح المنزل نقلا عن تصريحات أطراف النازلة يحكي الدركي أن «مصطفى» تسلق درجات السلم الحديدي المفضي إلى السطح وزاده من فراش المنزل وسادة تقيه برودة الإسمنت المسلح التي قد تصيبه بآلام حادة بالرأس، قبل أن يلتحق به شقيقه أحمد حاملا بين يديه آلة تسجيل لتؤنس وحدتهما، وتطرب مسامعهما إلى أن يجد النوم طريقه إلى جفونهما وإن كان التعب قد أخذ منهما مأخذه بفعل الأعمال المرهقة التي يواجهانها طيلة النهار داخل ضيعات الفلاحة… افترش أحمد فراشا رثا والتحف نجوم السماء التي بدت براقة في ليلة صيفية صافية وأطلق العنان لشريط غنائي كي تملأ أهازيجه فضاء السطح الواسع، بينما كان أخوه «مصطفى» قد توجه إلى مكان خلاء لإفراغ متانته قبل أن يسلم جسده هو الآخر لراحة النوم، غير أنه ما إن دنا من سريره الإسمنتي حتى أبدى رفضه لسماع أغاني الشريط الذي حاول أحمد إصلاحه بواسطة سكين كانت بحوزته… نشب خلاف بين الشقيقين لم يكن من عادتهما الدخول فيه، نظرا لحميمية العلاقة التي تجمع بينهما فحاول «مصطفى» أن يوجه لأخيه ركلة قوية رغم أنه يكبره سنا ربما في محاولة منه لحمله على تغيير الشريط الذي قض مسامعه فما كان من هذا الأخير إلا أن رد على ركلته بطعنة من سكينه أصابته بجرح غائر على مستوى الفخذ أطلق معه «مصطفى» صرخة مدوية أزعجت سبات النائمين من الأهل والجيران… وقف «أحمد» مندهشا في مكانه وقد ضاقت به الدنيا بما رحبت وأظلمت في وجهه المسالك والدروب ولم يعد يدري ما يفعل إزاء صرخات شقيقه التي كسرت هدوء الدوار في ساعة متأخرة من الليل، ضمه إلى صدره وطلب منه الصفح والمعذرة على اعتبار أنه لم يكن ينوي إصابته وحاول أن يقدم له يد المساعدة وينقله إلى أقرب عيادة طبية. لكن عتمة الليل حالت دون ذلك، ليصل صدى أنين الألم إلى مسامع الوالدين حيث التحقت الأم بسطح المنزل لتقف على هول الواقعة… شُلت حركة «مصطفى» لفرط نزيفه الذي لم ينضب فأدرك شقيقه «أحمد» خطورة ما اقترفت يداه إذ هرع إلى الخارج هائما على وجهه لا يدري أية وجهة يقصد، صادف والده العجوز على السلم الحديدي فأنعى له نبأ الوفاة وفر هاربا من نظراته الحزينة… فقدان الشقيقين وقف الأبوان مشدوهين لحال ابنهما «مصطفى» وهو يسبح في بركة من الدماء، إذ تزعزع استقرارهما وتشتت لبهما وانشطر بهما التفكير إلى كل الزوايا ليعود إلى الالتئام في شكل قرار صائب قادهما إلى ضرورة إشعار السلطات المعنية، حيث طلب الأب المكلوم من صهره أن يتوجه إلى مركز الدرك الملكي لاتخاذ التدابير والإجراأت اللازمة… رسم «عبد الله» على وجهه ملامح حزينة وهو يحاول إخبار عناصر الضابطة القضائية بجريمة قتل تجمع طرفيها آصرة دموية قوية قبل أن ترافقه دورية منهم على متن سيارة “الجيب” نحو المنزل حيث وجدت «مصطفى» جثة هامدة ليتم نقلها إلى مستودع الأموات بالمستشفى الإقليمي محمد الخامس بالجديدة، قبل أن ينطلق رجال الدرك الملكي في رحلة بحث عن أحمد بين الحقول والبساتين المجاورة بمساعدة من بعض السكان ليترآى لهم مختبئا بين قصبات الذرة وقد دفن رأسه بين كفيه وغسل الدمع خديه ندما على ما اقترفت يداه في لحظة غضب عابرة… سيق «أحمد» إلى مركز الدرك الملكي بعد أن جرده الدركيون من السكين أداة الجريمة وسط أجواء مفعمة بالأسى والحزن لدى الأهل والجيران الذين تجاذبت مشاعرهم أحاسيس الرعب والإشفاق جزعا على فقدان شقيقين من أبناء الدوار… في مركز الدرك يقول الدركي إن التحقيقات قد استأنفت بالاستماع إلى الأبوين المكلومين، وكذا بعض الأقارب فيما أجلت استنطاق «أحمد» إلى الغد الموالي على اعتبار أنه كان مهتز المشاعر مضطربا إلى درجة أنه لم يكن يفقه ما يقول وحتى إن نطق فلا أحد يفهم كلامه المنبعث من نفسيته المرتجة من هول الصدمة التي ألمت به بعدما تسبب في مقتل شقيقه. في الصباح جلس الفتى أمام المحققين وقد علت ملامحه مسحة من الحزن لم يخفها لون بشرته المائلة إلى الاصفرار، بل تضاعفت مؤشرات نبضه حين ترك للسانه مهمة سرد الحقيقة دون مواراة ولا مواربة أملا منه في تقريب المحققين من أجواء الجريمة التي لم يضعها أبدا في حسبانه…
| |
|