هل يحق لمن يولد في المغرب أن ينعم بالسعادة والرخاء؟ حتما، سنجيب بـ«لا» إذا استندنا إلى التقرير الأخير حول «السعادة والرخاء»، لأن هذا التقرير صنف بلدنا في هذا الميدان
في الرتبة الـ115 عالميا من أصل 158 دولة معنية بهذا التصنيف. الولادة في المغرب تعني، وفق هذا التقرير، مواجهة الفقر وأنواع من المعاناة.
يا له من أفق حزين. ولكن خلاصات هذا التقرير لا تنطبق على الجميع. هناك أشخاصٌ المغربُ بالنسبة إليهم جنة في الأرض، غير أنه يلزمنا التأكيد على أنهم قليلون للغاية، ويتوجب علينا أن نؤكد أيضا أنهم مسؤولون عن جانب من المأساة التي يعيشها الآخرون.
حقيقة لا يطرح المغربي البسيط، الذي يقضي بياض يومه في البحث عن قوت يبقيه على قيد الحياة، هذا السؤال؛ وحتى إذا تجرأ على طرحه، فإن هناك آخرين ينبرون ليقترحوا عليه جوابه. باختصار، يستحسن له عدم طرح هذا السؤال لكي يقي نفسه ضربات الذين قرروا أن يحوّلوا العيش في المغرب إلى جحيم للأغلبية الساحقة من سكان هذا البلد. الخطابات الرسمية تحرص على إظهارنا وكأننا غارقون في السعادة والسرور، لكن الواقع العنيد لا يرتفع. فماذا يعلمنا هذا الواقع؟
ينبئنا هذا الواقع بأن الفقر ينخر مجتمعنا منذ عقود عديدة. أكثر من ذلك، يبدو أنه بات عنصر ا بنيويا في الواقع المغربي منذ بزوغ فجر الاستقلال. أكيد أن الفقر تراجع بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. كان مغربي من كل اثنين يعاني من الفقر لحظة الاستقلال، واليوم يستقر معدل الفقر في حدود 28.9 في المائة، حسب آخر أرقام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
ومع ذلك، يظل هذا المعدل مرتفعا، حيث بوأ المغرب في سنة 2009 الرتبة الـ182 عالميا في سلم التنمية البشرية. كما أن دائرة انتشار الفقر والأمية لا تزال واسعة جدا، فـ15 في المائة من السكان يعيشون في وضعية فقر؛ 25 في المائة من إجمالي السكان يرزحون تحت عتبة الفقر؛ 50 في المائة من المغاربة يصنفون في وضعية «هشاشة اقتصادية» ومعرضون للأمراض وتلقبات الدهر ومهددون بفقدان مناصب شغلهم؛ مليونان ونصف المليون طفل، ولاسميا أطفال العالم القروي، لا يذهبون إلى المدرسة؛ والمؤشرات المتعلقة بالأمية والصحة، خصوصا في العالم القروي، تعتبر من بين الأضعف في المنطقة كلها (83 في المائة من النساء في العالم القروي أميات)؛ كما أن الفوارق الاجتماعية لا تزال كبيرة والهوة كبيرة أيضا بين الأغنياء والفقراء.
وبصرف النظر عن هذه المعطيات المعروفة، هل هناك عوامل للعيش بكرامة والتشبث بالأمل في غد بالأفضل، لأن الماديات ليست العامل الحاسم في توفير السعادة؟
في واقع الأمر، كثيرا ما لا يهتم المغاربة بمراكمة الثروات ويتخذون مواقف سلبية تجاه الثروات المشكوك في مصادرها. المغاربة معروفون أيضا بصبرهم وجَلـَدِهم وتفاؤلهم. المواطن المغربي البسيط يرى في الكأس دائما نصفها المملوء، حتى عندما يكون في ظروف حالكة ويواجه أوضاعا صعبة، ألم نسمع أجدادنا يقولون: «إن مع اليسر يسرا»؟ غير أن الواضح أن صبر المغاربة له حدود، وقد استمرت المعاناة أمدا طويلا وهي الآن توشك أن تكون لها تداعيات سلبية على روح التفاؤل التي يتميز بها المغاربة، ولذلك تعرف المرحلة الراهنة نوعا من تثبيط العزائم وفقدان الثقة، فمن فرط انتظاريته وطول أمد الأمل، يوشك المغربي اليوم أن يستسلم للتشاؤم.
فكيف يمكن، إذن، تأويل ذلك التقرير الذي يصنف المغرب في خانة الشعوب الأقل سعادة في العالم؟ أولا، باحتضار الأمل، إذ يبدو أن المغاربة أنهكتهم الوعود غير المحققة وأعيتهم خيبات الأمل. سقطت الأجيال الشابة في الفوضى (نـُعتبـَر البلد العربي الأول من حيث عمليات القتل باستعمال الرصاص)؛ انتفضت الأجيال ذاتها في وجه سلطوية النخب الموجودة في السلطة، التي تمنعها، إلى جانب التيارات المحافظة، من الولوج إلى الحداثة. في الواقع، ليست الظروف المادية الصعبة وحدها التي تصنع مأساة المغاربة، بل تنضاف إليها عوامل أخرى، مثل الرشوة والاستبداد ونظام الامتيازات والريع؛ كما أن معاناتهم تزداد ومرارتهم تتعمق حين يرون الظلم يتسمر واللامساواة تستديم مع رؤية حلم مغرب للجميع يتبخر وابتعاد الحداثة.
أكيد أن حركة 20 فبراير أوقدت مشعل الأمل من جديد.. الشباب والقوات الحية يعلمون جميعهم أن كل ما لا يتجدد ينتهي به الأمر إلى الانحطاط، ويدركون جيدا أن الطريق إلى المستقبل يبدأ بالقطع مع الحاضر؛ غير أن الربيع المغربي لم يدم طويلا.. قرابة مدة تفتح الزهور قبل أن تذبل. واليوم، توشك الاستقلالية التي تجتاح حياة الموطنين أن توقد مشعل الأمل من جديد، لكن الخوف من أن ينطفئ من جديد يبعث على التشاؤم ويسقط البعض في الفوضى.
إجمالا، المغربي يشعر بأن حياته بئيسة ينخرها الفساد وتخربها العبودية ويقوضها نظام الأبارتايد الاجتماعي. اليوم، نستشعر ربيعا جديدا في طور الولادة، لكننا نحس أيضا بوجود محاولات لإجهاضه قبل أن يرى النور. فما العمل؟ ببساطة، رفض منطق القدرية والنضال من أجل التغيير، تماما مثلما قال مفكر ومناضل سياسي: «هناك طريقة للإسهام في التغيير هي عدم الاستسلام».
ادريس بنعلي