هسبريس - إسماعيل عزام
الأربعاء 28 غشت 2013 - 00:15
فَتَح الخطاب الملكي الأخير عدة أبواب أمام نقاش اجتماعي بخصوص قضية التعليم، لا سيما وأن الملك، وبانتقاده الصريح للحكومة في هذا المجال التربوي، أكد على الأهمية التي يكتسيها هذا القطاع في مخططات الدولة، ما دام التعليم هو رافعة التنمية، وهو الذي بمقدوره نقلنا من حالة التخلف إلى حالة التقدم، كما يخبرنا رشيد الجرموني، الخبير في علوم التربية، الذي يقدم في تصريح خصَّ به هسبريس، مجموعة من الحلول قد تساعد في تصحيح مسار التعليم المغربي، وجعله يستفيق من سباته المُعمّر منذ عقود، حتى صار فشل المغرب في هذا القطاع، حديث عدد من التقارير الدولية.
قرار توقيف المخطط الاستعجالي من طرف وزير التربية الوطنية محمد الوفا، والذي تسبب له بانتقاد حاد من أعلى سلطة في البلاد، يراه الجرموني قرارا خاطئا، فرغم عدد من الخروقات التي رافقت المخطط ذاته كإهدار المال العام، إلا أنه وضع نوعا من خارطة الطريق وحدّد مجموعة من الأهداف، وبإيقافه، تم وضع التعليم المغربي في حالة فراغ، وتم إلغاء جميع المشاريع المطروحة، الأمر الذي يؤشر على نوع من التفكير المزاجي للحكومة حسب الجرموني، الذي يعود ليؤكد أن الوفا والحكومة بشكل عام، لا يتحملان لوحدهما مسؤولية تدهور التعليم، وأن الخطاب الملكي لا يمكن اعتماده كأداة لجلد الحكومة، فالمشكل عميق وممتد منذ عقود طويلة.
وقد أوصى الجرموني بما رآها خمسة حلول، قد تُمكّن التعليم المغربي من تجاوز وضعيته الحالية، أولها الجواب عن سؤال ماذا نريد: هل نريد مواطنا تابعا للتوازنات الاقتصادية العالمية؟ أم مواطنا مستقلا متشبثا بهويته وثقافته؟ هل نريد من التعليم أن يكون أداة للتشغيل وكفى؟ أم نريده أن يكون سببا في نهضة المغرب العلمية والاقتصادية والثقافية؟ الإجابة عن سؤال ماذا نريد بشكل دقيق تُعتبر مدخلا للحل حسب الجرموني، لأنها تضعنا أمامنا خارطة الطريق بشكل واضح.
ثانيا: توحيد المناهج الدراسية من التعليم الابتدائي حتى الجامعة، والابتعاد عن الازدواجية التي تسم المقررات الحالية المنزّلة وِفق توافق هش، فالقيم، المعارف، والمهارات، يجب أن تنسجم مع بعضها لدى التلميذ والطالب، يقول الجرموني، مشيرا إلى أن المنهاج الخاص بالتربية الإسلامية مغاير تماما لما هو موجود في مقرر الفلسفة، وكذلك مقررات التعليم الخصوصي لتلك الخاصة بالتعليم العمومي، وبالتالي، فيجب أن تجيب المناهج عن هموم المواطن المغربي، وأن لا تتخلف عن التطور الذي يعرفه المجتمع، سواء منه الفكري أو التقني، كي لا تؤدي بنا إلى مزيد مما أسماه المتحدث "التشظي".
ثالثا: جعل اللغة العربية أساس التعليم بالمغرب، وتطبيق الدولة لهذه اللغة في مقرّراتها الدراسية خاصة الجامعية منها التي تعاني من هيمنة للفرنسية، فالعربية، ستُمّكن المناهج المغربية من التطور، شريطة أن لا يتم اعتماد "التعريب الأعوج" كما يسميه المتحدث نفسه، ملفتا إلى ضرورة إعطاء الأمازيغية كذلك حقها، ثم إعادة النظر في طريقة اكتساب المتمدرسين المغاربة للغة الفرنسية، حيث سجل الباحث ضعفا كبيرا في طرق تلقين هذه اللغة، الأمر الذي يؤدي إلى ضعف مستوى التلاميذ والطلبة فيها، على أن يتم في وقت لاحق، التحرر بشكل كبير من هذه اللغة، واعتماد الإنجليزية كلغة ثانية بدلها، لأن لغة شكبيير، يضيف الجرموني، هي لغة العصر واكتسابها سيعود بالنفع على العقلية المغربية.
رابعا: جعل مجانية التعليم محصورة على الفئات المعوزة والمتوسطة الدخل، فهناك فئات، يشير الجرموني، تستطيع مساعدة الدولة عبر أداءها لبعض الرسوم، وخطاب الحلم الذي ترفعه بعض النقابات وبعض الهيئات السياسية بعدم المس بمجانية التعليم، يبقى خطابا غير واقعيا وغير عقلانيا، مادام إلغاء المجانية الشاملة للتعليم، سيعيد الاعتبار للتدريس من خلال مساهمة المجتمع فيه، لا سيما المجتمع المدني وجمعيات الآباء وأولياء التلاميذ.
خامسا: مراقبة الدولة للأستاذ وعدم جعل الوظيفة العمومية حائطا قصيرا ينط من فوقه من يريد، "فأغلب من يتم توظيفه في التعليم العمومي، يعتبر نفسه قد حصل على مصدر أجر شهري بأقل مجهود ممكن، سَندُه في ذلك تراجع دور المفتش وحصر المراقبة في حضور الأستاذ إلى الفصل من عدمه" يستطرد الجرموني، داعيا إلى محاسبة الأستاذ وربط التقييم بشكل مباشر بالأجرة الشهرية، خاصة وأن كثيرا من الأساتذة، "لا يُدرّسون بنفس الجدية في القطاع العمومي كما يفعلون في القطاع الخاص، رغم أن الدولة، تمنح لبعض منهم، أجورا تفوق بكثير ما يَحصلون عليه من القطاع الخاص"، يقول الباحث بالمركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة مناديا في الآن ذاته، بعدم اعتماد السن كمعيار وحيد لاختيار مدراء المؤسسات العمومية الذين وجب أن يتوفروا على مخططات حقيقية للمساهمة في تطوير مؤسساتهم.
بهذه الحلول الخمسة، يرى الجرموني أن المغرب قد يتململ ولو قليلا من الرتب الأخيرة التي يحتلها في قطاع يتأسس عليه مصير شعب بأكمله، وقد تُفتح آفاق أرحب، تبتعد بالتلميذ المغربي عن أن يرى دنيا باطما أو مراد بوريقي كنماذج وحيدة وجب اتباعها وفق أقوال المُحاوَر ذاته، فتطوير التعليم المغربي، سيؤدي إلى القطيعة مع جل السياسات الارتجالية في هذا القطاع، وسيضع للعِلم مكانته التي يستحق داخل المجتمع المغربي.